للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَأُمْسِكَ لا يُطَالُ لَهُ فَيَرْعى ... وَلاَ هُوَ في العَلِيقِ ولا اللَّجامِ

الجواد: الفرس الكريم، والجمام: الدعة وقلة التعب، والقتام: الغبار، والعليق: القضيم الذي يعلق على الدابة.

فيقول: يكفني الطبيب في علتي عن الأكل، ويحذرني من الخطأ في التطعيم والشرب، على العادة المعهودة في المعالجة، وما تؤثره الأطباء من الملاطفة.

ثم قال: وما في علم الطبيب الملم بي، والمعالج المتفقد لي، أني كالجواد الذي أضر الجمام بجسمه، وبعث عليه أسباب سقمه، وهو يصلحه التعب، ويستثير قوته النجاء والطلب، فأشار إلى أنه يألف الأسفار، ويستكره الدعة والقرار.

ثم قال على نحو ما قدمه من ذكر الجواد الذي كنى به عن نفسه: تعود ذلك الجواد أن يثير الغبار في الغارات، ويستعمل الجد في الغزوات، ويخرج من قتام يقطعه، إلى قتام يرهج به ويبعثه، جاهدا لا يفتر، ومعتزما لا يقصر.

ثم قال: فأمسك الآن مقصودا على ما يكرهه، ممنوعا مما يألفه ويرغبه، لا يطال له عند الرعي، ولا يتسع له في العليق والقضم، ولا يتصرف في لجامه غازيا، ولا يختال بتحمله سائرا، فأشار إلى ضبط كافور له بمصر ألطف إشارة، وعبر عن ضيق الحال فيها أحسن عبارة، وضرب لنفسه مثلا بالجواد، أبدع في استعارته، وبلغ فيه غاية البيان بكنايته.

غَإِنْ أَمْرَضْ فَما مَرِضَ اصْطِبَارِي ... وَإِنْ أحْمَمْ فَمَا حُمَّ اعْتِزَامِي

وَإِنْ أَسْلَمْ فَمَا أَبْقَى وَلكِنْ ... سَلِمْتُ مِنَ الحِمَامِ إلى الحِمَامِ

الحِمَامِ: الموت.

فيقول: فإن مرضت وبالغني المرض، وحممت وخامرني الألم، فإن صبري في غاية الصحة، وعلى أفضل ما عهدته عليه من القوة، وإن حممت فإن عزمي نافذ لا تعلق الحمى به، ثابت لا تتعرض العلل له.

<<  <  ج: ص:  >  >>