تصهال يخبر عما أنويه وأضمره، ومقال يعرب عما أريده واعتقده، كما أن الفرس الكريم إذا عاقته الشكل عن جريه، دل صهيله على عتقه.
ثم قال: وما اشكر فرحا بالمال، وارتياحا له، وحرصا عليه، واعتزازا به، فسيان عندي الإكثار والإقلال، والسعة والإقتار؛ لما اعتقده من القناعة، واحتمل عليه من النزاهة، والمكثر والمقل متفقان في فراق حاليهما على عجل، والمتاركة لهما على غير مهل. فأمور الدنيا فانية، وعواريها منقطعة زائلة.
ثم قال: ولكنني رأيت أن من القبيح الذي لا يجمل، وخلاف الإنصاف الذي لا يحسن، أن يجاد لنا بجزيل العطاء، ولا نقضي حق ذلك بمخلد الثناء. فأشار أن مدحه لفاتك، مع ما ابتدأه به من الفضل، وتابعه له من البر، فرض لا يسمح تركه، وواجب لا يضيع مثله.
غَيْثٌ يُبَيَّنُ لِلنُّظَّارِ مَوْقِعُهُ ... أَنَّ الغَيُوثُ بما تَأْتِيهِ جُهَّالُ
الحزن: ما غلظ من الأرض وارتفع، والسباخ من الأرض: مواضع مالحة ينبع فيها الماء، ولا يكون فيها نبت، واحدتها: سبخة، والغيث: المطر المحمود، والهطال: المتتابع.
فيقول مخبرا عن نفسه: فكنت بما أسداه إلي فاتك من الفضل، وما ابتدأني به من الإحسان والبر، كمنبت روض الحزن إذا باكره الغيث بسقيه، وجاد عليه بصوبه، فآنق وأعجب، وحسن وأبهج. فأراد أن النعمة أصابت منه أهلها، وحلت عند من يستقل بشكرها، وكانت كالغيث يصيب الحزن، ولم تكن كالغيث الذي يصوب على سباخ الأرض، فيضيع ولا ينبت، ويذهب ولا يثمر.
ثم قال، وهو يشير إلى جلالة ما وضع عنده فاتك من إحسانه، وكثرة ما أظهره عليه من إنعامه: إن ذلك الانفصال كان ضربا من الغيث، يبين موقعه للنظار أن