الغيوث لا تحل محله، ولا تبلغ مبلغه، وأنها جاهلة بما يدركه، مقصرة عما يفعله، وأن السحاب لا يماثله في جوده، ولا يساويه فيما يبذله من فضله. فأشار إلى كثرة ما وضع عنده فاتك من العطاء ألطف إشارة، وعبر عنه أحسن عبارة.
لا وارثٌ جَهِلَتْ يُمْنَاهُ ما وَهَبَتْ ... ولا كَسُوبٌ بِغَيْرِ السَّيفِ سَئالُ
يقول: لا يدرك المجد ويبلغه، ويجوزه ويكسبه، إلا سيد ثاقب الفطنة، فاضل كريم الجبلة، يفعل من الجميل ما يشق على السادات فعله، ويخلد من الكرم ما يتعذر على ذوي الإحسان مثله.
ثم قال: لا وارث لما وهب فيكون جاهلا بحقيقة قدره، ولا كسوب بغير السيف فيهون عليه ما يسمح ببذله، ولكنه غصب ما أكتسبه من غير مسئلة، وغلب عليه دون استعمال رغبة، فأعطى المال بعدما عاناه من المشقة من جمعه، وجاد به بعدما تكلفه من المغالبة على كسبه. فأشار إلى أن جمع المال بنفسه، وأدرك الشرف بشجاعته وبأسه، وأعطى بكرم طبعه، ولم يجهل مقدار ما بذله من فضله.
فيقول: إن الزمان نادى فاتكا فأفهمه، ووعظه فأسمعه وعرفه، أنه على الإمساك عذال لا يفتر عذله، ولائم لا يقلع لومه، فألف الجود لعلمه بحسن عواقبه، وعادى البخل لتيقنه بقبح مصائره، ورأى أن الزمان لا يمتع البخيل بما كسب، ولا يفقد الجواد خلفا فيما وهب وبذل.
ثم قال: تدري القناة عند اهتزازها براحته، وتصرفها على حسب إرادته، أن الشقي بها خيل يعتودها بالطعن، وأبطال يعمهم بالتجريح والقتل. فأشار إلى أن