للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حتى كأن ساعات زمانه متضيقة عليه، فهو يقضي بالقرى واجب حقها، ويعتبط الدماء فيها بإجرائها وسفكها.

ثم أكد ذلك وفسره فقال: تجري النفوس حواليه مختلفة، ويكثر إتلافه لها ممتزجة، ومن تلك النفوس نفوس أعداء يتلفها بالقتل، وفيها نفوس أغنام وآبال يذهبها بالذبح والعقر؛ فمن تلك النفوس ما يذهب به الإكرام والضيافة، ومنها ما يذهب به الإيقاع والإخافة، فساعدته مشمولة بالحالتين، مغمورة بهذين الأمرين.

ثم قال: وهو يشير إلى فاتك: لا يحرم البعد نائله من بعد عنه، ولا يعوق مؤمله عما رجاه؛ لأن جوده يعم عموم الغيث، ويفيض كفيض البحر، فهو يدرك النائي البعيد، كما يشمل الداني القريب، وليس يعجز صغار الأطفال عن الاشتمال به، ولا يخرجها الصغر عن التناول له؛ لأنه عام لا خصوص فيه، ممكن لا يعترض المنع عليه، يدركه الكبير والصغير، ويتقلب فيه القريب والبعيد.

أَمْضَى الفَرِيْقَيْنِ في أَقْرانِهِ ظُبَةً ... والبِيْضُ هادِيَةٌ والسُّمْرُ ضُلالُ

يُرِيكَ مَخْبَرُهُ أَضْعَافَ مَنْظَرهِ ... بَينْ الرّجالِ وفِيها المَاءُ والآلُ

وَقَدْ يُلَقبُهُ المَجْنُونَ حاسِدُهُ ... إِذا اخْتَلَطْنَ وَبَعْضُ العَقلِ عُقالُ

القرن: الند والمثل، والظبة: حد السيف، والهادي إلى الشيء: الذي يقصده بوجهه، والآل: السراب، وهو الذي يتخيل في قيعان الأرض عند شدة الحر، كأنه ماء، والعقال: داء يكون في أرجل الدواب يمنعها من المشي.

فيقول: إن فاتكا شديد البأس، مقدام النفس، وإنه أمضى الفريقين ظبة من أصحابه واعدائه، إذا حميت الحرب واستمر الجلاد والضرب، وقصرت الرماح وضلت، عن مقاصدها، وضاق المجال عن استعمال التطاعن بها، وصار الأمر إلى مباشرة الحتوف والتجالد بالسيوف، فصارت السيوف هادية مبصرة، والرماح متضللة مقصرة، فحينئذ يكون فاتك أمضى الفريقين من أصحابه وأعدائه، وأنفذ

<<  <  ج: ص:  >  >>