للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطائفتين من أوليائه وأضداده.

ثم قال: إن فاتكا وإن كان جمع الجمال والوسامة، والبهاء والجلالة فإنه يريك بما يخبره من فضله، وتؤديه المحبة إليك من كرمه وبأسه، أضعاف ما يؤديه ظاهره في الرجال، وما يتعرف فيه من الوسامة والجمال، وفي الرجال ما هو كالماء الذي يرويك ولا يعطشك، ويصدقك ولا يخذلك، وفيها ما هو كالآل الذي يكذب ولا يصدق، ويخدع ولا ينفع.

ثم قال: وقد يلقبه المجنون حاسده الذي لا يلحقه، وظالمه الذي لا ينصفه، وإنما ألزمه هذا اللقب إقدامه على الطعن والضرب، واقتحامه في غمرات الحرب، وبعض العقل في ذلك الموقف عقال يعقل صاحبه، وسبب من أسباب الضعف يعجز إلفه، وكان فاتك يلقب بالمجنون، ففسر عليه أبو الطيب هذا اللقب تفسيرا أذهب قبحه، وحسن عند المنكر له أن يتقلد مثله.

يَرْمِي بِهَا الجَيْشَ لا بُدَّ لَهُ وَلَهَا ... مِنْ شَقَّهِ ولو أَنَّ الجَيْشَ أَجْبَالُ

إِذا العِدَى نَشِبَتْ فيهم مَخَالِبُهُ ... لم يَجْتَمِعْ لَهُمْ حِلْمٌ ورئْبالُ

فيقول مشيرا إلى السيوف التي قدم ذكرها: يرمي بها الجيش الذي يناصبه، والجمع الذي يتعرض له، ولا بد له ولتلك السيوف المطيفة به من شق ذلك الجيش، وفض ذلك الجمع، ولو كان هضابا عارضة، وأجبالا قاتلة.

ثم قال: إذا العدى المتمرسون، والأضداد المتعرضون له، نشبت مخالبه فيهم، وأظهر سطوته عليهم، لم يجتمع لهم في ذلك الموطن أسد تحذر عاديته، وحلم تؤمن بادرته، فأشار إلى أن الاستسهال للموت، والاقتحام على الحرب، ليس من طريق الحلم، ولا تحمل عليها أحكام العقل.

يَرُوعُهُمْ مِنْهُ دَهْرٌ صَرْفُهُ أَبداً ... مُجَاهِرٌ وَصُرُوفُ الدَّهْرِ تَغْتالُ

أَنالَهُ الشَّرَفَ الأعْلى تَقَدُّمُهُ ... فَمَا الَّذي بِتَوَقي ما أَتَى نالوا

<<  <  ج: ص:  >  >>