ثم قال: فلما شهدنا ما اقتناه وجمعه، واكتسبه وذخره، فإذا ذلك هبات قصرت عليه ذكر مكارمه، وسلاح وخيل أعدها بملاحم وقائعه.
المَجْدُ أَخسَرُ والمَكَارِمُ صَفْقَةً ... مِنْ أن يَعِيشَ لها الكَرِيمُ الأروَعُ
والنَّاسُ أَنزَلُ في زَمَانِكَ مَنزِلاً ... مِنْ أَنْ تُعايِشَهُمْ وَقَدرُكَ أَرفَعُ
الأروع من الرجال: ذو الجسم التام والمنظر الجميل، والإنزال: التواضع.
فيقول، وهو يشير إلى فاتك: المجد والمكارم أضيع وأخسر، وأتعس وأخيب، من أن يعيش لها فاتك الكريم، الموكل بحفظها، الأروع الجامع لشملها.
ثم قال، وهو يخاطبه: والناس من أهل زمانك أنزل منزلة، وأوضع مكانا ومرتبة من ان تعايشهم مع مباينتك لهم، وتصحبهم مع قلة اشتباهك بهم؛ لأنك ترتفع عنهم ويتواضعون عنك، وتكبر عن مماثلتهم ويتباينون منك.
بَرِّدْ حَشَايَ إِنْ استَطَعتَ بِلَفظَةٍ ... فَلَقَدْ تَضُرُّ إذا تَشَاءُ وَتَنفَعُ
مَا كانَ مِنكَ إلى خَلِيلٍ قَبلَها ... ما يُستَرابُ بِهِ ولا ما يُوجِعُ
يقول مشيرا إلى ما بنفسه عليه من شدة الوجد، وما يضمره من الأسف والحزن: برد حشاي أيها المفقود بلفظة أسمعها، وإشارة أتبينها، فقديما كنت تقول فيسمع، وتضر إذا تشاء وتنفع.
ثم قال: ما كان منك إلى أحبتك قبل أن تفجعهم بنفسك، وتطرقهم الأيام بفقدك، فعل ينكرونه فيريبهم، ويكرهونه فيوجعهم، وما زلت تشملهم بفضلك، وتعتمدهم بإحسانك وبرك، وبحسب ذلك أوجعت قلوبهم، وأبكيت بمصابك عيونهم.
وَلَقَدْ أراكَ وَما تُلِمُّ مُلِمَّةٌ ... إلاَّ نَفَاهَا عَنكَ قَلبٌ أصمَعُ
وَيَدٌ كَأنَّ نَوَالَها وقِتَالَها ... فَرضٌ يَحِقُّ عَليكَ وَهوَ تَبرُّعُ
الأصمعي: الذكي، والتبرع: التطوع.
فيقول: وهو يخاطب فاتكا: ولقد بلوتك وما تطرقك ملمة من الدهر، ولا تعن لك