للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عظيمة من الأمر، إلا نفى عنك وما تحذر من ذلك، قلب ذكي لا تنازعه الغفلة، ونفس جريئة لا تعارضها الهيبة.

ثم قال: ونفى ذلك عنك يد باذلة للنوال، قوية باطشة في القتال، كأن البذل والهبة، والنفاذ والقوة، فرض عليها لا تستبد منه، ولزام لا تجد محيصا عنه.

يا مَنْ يُبَدِّلُ كُلَّ وَقتٍ حُلَّةً ... أَنَّى رَضَيتُ بِحُلَّةٍ لا تُنزَعُ؟!

ما زِلتَ تَخلَعُها عَلَى مَن شَاَءها ... حَتَّى لَبِسْتَ اليَومَ ما لا يُخلَعُ

ما زِلتَ تَدفَعُ كُلَّ أَمرٍ فَادحٍ ... حَتَّى أَتَى الأمرُ الذي لا يُدفَعُ

الحلة: ثوبان يلبسهما الرجل مجتمعين، والفادح: الأمر الذي يثقل حامله.

فيقول، وهو يشير إلى فاتك: يا من يبدل كل وقت حلة يفيتها عن نفسه، بأن يخلعها على زائره، ويهبها لقاصده، كيف رضيت من اكفانك بحلة لا تنزع، واشتملت منها بلبسة لا توهب؟!.

ثم قال: ما زلت تخلع ملابسك خلع مبرة وإكرام، وتبذلها بذل تطول وإنعام، حتى لبست من جهاز الموت ما لا يوهب وأحاط بك منها ما لا يفارق وينزع.

ثم قال: وهو يريده: ما زلت تدفع كل فادح يطرقك بنفاذك وقوتك، وتستظهر عليه باقتدارك وجرأتك، حتى أتاك من الموت أمر لا يدفع بتصرف وحيلة، ولا يستكف بجلالة وقدرة.

فَظَلِلتَ تَنظُرُ لا رِمَاحُكَ شُرَّعٌ فِيمَا ... عَرَاكَ ولا سُيُوفُكَ قُطَّعُ

بِأبي الوَحِيدُ وَجَيشُهُ مُتَكَاثِرٌ يَبكي ... وَمِنْ شَرِّ السِّلاحِ الأدمُعُ

وإذا حَصَلتَ مِنَ السِّلاحِ على البُكا ... فَحشَاكَ رُعتَ بِهَا وخَدَّاكَ تَقرَعُ

إشراع الرماح: بسط الأيدي بها، والقرع: الضرب.

فيقول نادبا لفاتك: فظللت تنظر إلى الموت نظر المسلم، وتلحظه بعين المحكم، لا تطيق مدافعته، ولا تمكنك مباطشته، قد عجزت رماحك عن مطاعنته، وقصرت

<<  <  ج: ص:  >  >>