للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقدت أيها الرئيس بفقدك المرشد الذي كانت تستمد برأيه، والنير الذي كانت تهتدي بضوئه، فعدمت ما كانت تعهده عنده، وغرب ذلك النير غروبا لا يطلع بعده.

ثم قال متفجعا عليه: ومن اتخذت خليفة على ضيوفك الذين كنت تسر بقربهم، وتلتذ بما تتكلف في برهم؟ ضاعوا بعدك بما لحقهم من فقدك، وعدموا ما عهدوه من فضلك، ومثلك لا يضيع في حياته قاصده، ولا يخيب من مبرته زائرة، ولكن المنايا تغلب العادات، والأيام بتصرفها تفرق الجماعات.

قُبحَاً لِوَجهِكَ يا زَمانُ! فإِنَّهُ ... وَجهٌ لَهُ مِنْ كُلِّ قُبحٍ بُرقُعُ

أيَمُوتُ مِثلُ أَبي شُجَاعٍ فَاتِكٍ ... وَيَعيشُ حَاسِدُهُ الخَصِيُّ الأوكَعُ؟!

أيدٍ مُقطَّعَةٌ حَوَالي رَأسِهِ ... وَقَفاً يَصِيحُ بها: أَلا مَنْ يَصفَعُ؟

البرقع: معروف، والأوكع: الأحمق، والصفع: ضرب القفا باليد.

فيقول متظلما من الزمان، ومستنكرا لفعله، ومنبها على جوره: قبح الله وجهك أيها الزمان وأتعبه، وأهانه ولا أكرمه، فإنه وجه متبرقع بضروب من القبح، مستتر بصنوف اللؤم، لا يحمد مثله، ولا يشكر فعله.

ثم قال: أيموت مثل أبي شجاع فاتك، عماد الإفضال والكرم، وولي الآلاء والنعم، وبعيش كافور حاسده اللئيم الأوضع، والخصي المنقوص الأوكع؟!.

ثم قال، وهو يريد كافورا، مشيرا إلى عبوديته، ومخبرا عن سقوطه ودناءته: أيد حواليه لم يبعد عهدها بضربه، وتوجعها بتناول أدبه. وقفا يناديها منه، مع ما صار إليها من الرفعة، وما حصل عليه من الرئاسة والإمرة، استيحاشا للعادة، وترقبا لامتهان العبودية: ألا من يصفع على من عهدت؟ فيصير ويضرب، فأسلم ولا أنكر.

أَبقَيتَ أَكاذِبٍ أَبقَيتَهُ ... وَأَخذتَ أَصدَقَ مَن يَقُولُ وَيَسمَعُ

وَتَركتَ أَنتَنَ رِيحَةٍ مَذمُومَةٍ ... وَسَلَبتَ أَطيَبَ رِيحَةٍ تَتَضَوَّعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>