للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال: حتى رجعت بعد تبيني لأحوالهم، ومعرفتي بحقيقة إقرارهم، وأقلامي تعاتبني جاهدة، وتخاطبني منادية قائلة: المجد للسيف الذي يعيد العز ويوجبه، ويجير المغلوب وينصره، لا للقلم الذي يخذل المستعمل له، ولا يبدو غناءه عن المدافع به.

أكتُبْ بِنَا أبداً بَعدَ الكِتابِ بِهِ ... فإنَّما نَحنُ لِلأسيَافِ كالخَدَمِ

أسمَعتِنِي وَدَوائِي ما أَشَرتِ بِهِ ... فَإنْ غَفَلتُ فَدَائي قِلَّةُ الفَهَمِ

مَن اقتَضَى بِسِوَى الهِندِيِّ حَاجَتَهُ ... أَجَابَ كُلَّ سؤالٍ عَنْ هَلٍ بِلَمِ

يقول مخبرا عن أقلامه التي قيد بها عمله، وآدابه التي نظم منها شعره: أنها حضته على أن يقدم السيف في ما يطالبه، ويعول عليه فيما يحاوله؛ فأن الأقلام والآداب كالخدم للأسياف، تتبعها متواضعة لقدرها، وتخدمها ممتثلة لأمرها.

ثم قال مؤكدا لما قدمه، وهو يريد أقلامه: أسمعتني ودوائي لا محالة استعمال السيف الذي أشرت بالعدول إليه، وإيثار البطش الذي ندبت إلى التعويل عليه، فأن غفلت عن إنفاذ قولك، وقصرت عن امتثال رأيك، فدائي قلة الفهم لصحيح الآراء، وإعراضي عن امتثال أقوال النصحاء.

ثم قال على نحو ما تقدم: من اقتضى بغير السيف حاجته، وحاول من غير طريق الغلبة رغبته، خاب سعيه، واستضعف رأيه، وأجاب المستفهم بها عن أمره؛ بأنه لم يظفر فيه بإسعاد من دهره.

وَتَوَهَّمَ القَومُ أَنَّ العَجزَ قَرَّبَنا ... وفي التَّقَرُّبِ ما يَدعو إلى التُّهَمِ

وَلَمْ تَزَل قِلَّةُ الإنصَافِ قَاطِعَةً ... بَينَ الرِّجالِ وإنْ كَانوا ذَوِي رَحِمِ

الرحم: القرابة.

فيقول: توهم القوم المتوثبون على الدول، المتسورون على المدن، أن العجز عن مساجلتهم، والتقصير عن مقاومتهم، ونى بنا عنهم، وقربنا منهم، وفي التقرب

<<  <  ج: ص:  >  >>