فيقول مخاطبا لنفسه، ومظهرا للتجلد على ما تصعب من أمره: هون على بصرك ما ساءك أن تبصره، ولم يوافقك أن تشهده، فأن أمور الدنيا بجملتها سريع تنقلها، منتظر تبدلها، وإنما هي وأن كانت يقظة تتيقن، وحقيقة تتبين، كالأحلام العارضة، والخيالات الذاهبة.
ثم قال مخاطبا لنفسه: ولا تشك إلى أحد من الناس فتشمته بنفسك، وتسره بما تعوق من أمرك، وتكون فيما تشكو إليه كالجريح يشكو إلى الغربان والرخم، وهي تستبطئ هلكه، وترقب أن تلتهم جسمه.
ثم قال على نحو ما قدمه: وكن من الناس على حذر تضمره، وتوقع لا تظهره، ولا يغرك منهم من يبتسم في وجهك، ويخدعك بما يبديه من السرور بقربك، فكل ذلك كاذب لا يصدقك، وأباطيل تظاهر بها ولا تنفعك.
فيقول: غاض الوفاء، وعدم أهله، وزهد في المعروف، وأنكر فعله، فلست تلقى من يفي لك بوعده، ويخبرك بالحقيقة عن نفسه، وكذلك أعوز الصدق في الأخبار المجملة، والإيمان المؤكدة، فتساوى الأمران، وتماثل المذهبان.
ثم قال مخبرا عن جلده وقوته، ومبينا عن صرامته وشدته: سبحان من جعل نفسي متخلقة بالصبر، متجلدة على نوائب الدهر! تلتذ من ذلك بما سائر النفوس تتألمه، وتسكن فيه إلى ما غيرها من النفوس تستكرهه.