وقال عند خروجه من مصر في سنة خمسين وثلاث مائة.
عِيدٌ بأَيَّةِ حَالٍ عُدتَ يا عِيدُ بِمَا ... مَضَى أَمْ لأَمرٍ فِيهِ تَجدِيدُ
أَمَّا الأَحِبَّةُ فَالبَيدَاءُ دُونَهُمُ ... فَلَيتَ دُونَكَ بِيداً دُونَها بِيدُ
العيد: ما اعتاد الإنسان من مرض أو حزن، قال الشاعر:
عَادَ قَلبِي مِنَ الطَّويلَةِ عِيدُ ... واعتراني مِنْ حُبِّها تَسهِيدُ
البيداء: المفازة المقفرة، وجمعها بيد، وكسرت الباء من بيد، وهي على وزن فعل، للياء التي بعدها، كما فعل ذلك ببيض.
فيقول مخبرا عن الحزن الذي كان يعتاده باتصال غربته، وتراخي عهده بأحبته: عيد أنت أيها الحزن تتتابع ولا تغفل، وتتكرر ولا تفتر، فبأي حال عدت الآن أيها الحزن المتأكد، والبث المتمكن؟! ألمثل ما مضى وأنصرم، وسلف وتقدم، أم بضرب من الأشواق أحدثته، ونوع من أنواع الأحزان جددته؟!.
ثم قال، يخاطب البث المعتاد له، والحزن المتولع به: أما الأحبة فدارهم نازحة، والبيد المقفرة فيما بيني وبينهم قاطعة، وأنت أيها الحزن قريب لا تبعد، وملازم لا تفقد، فليت بيني وبينك مسافات متراخية، ومفازات بعيدة متنائية.
لَولاَ العُلَى لم تَجُبْ بي ما أَجُوبُ بِهَا وَجَنَاءُ ... حَرفٌ ولا جَرداءُ قَيدودُ
وَكَانَ أَطيَبَ مِن سَيفِي مُضَاجَعَةً ... أَشبَاهُ رَونَقِهِ الغِيدُ الأمَالِيدُ
جبت المفازة: إذا قطعتها، والوجناء: الناقة الضخمة القوية، والحرف: الضامرة، والجرداء: القصيرة شعر الجلد، والقيدود: الطويلة، ورونق السيف: ماؤه وصفاؤه، والغيد: الطوال الأعناق، الواحدة غيداء، والماليد، الحسان النواعم، الواحدة أملود.
فيقول: لولا العلى وما أرغبه من إكتسابها، وما أعتقده من الشغف بها، لم أتمون الأسفار الطويلة، ولا تكلفت الرحل البعيدة، ولا قطعت بي الفلوات النازحة، والمهامة الشاسعة، نجائب الإبل وكرائمها، وعتاق الخيل وسوابقها.
ثم قال: وكان أطيب من مضاجعة السيف في الأسفار التي أحاولها، والرحل التي