ألازمها، الخفض والدعة، والسكون والرفاهية، ومضاجعة الحسان اللواتي يشبهن رونق السيف بما هن عليه من الحسن والبهجة، ويتمكن الفلوات بما يبدين من الشباب والنعمة.
لم يَترُكِ الدَّهرُ مِن قَلبِي وَمِنْ كَبِدِي ... شَيئاً يُتَيِّمُهُ عَينٌ ولا جِيدُ
يا سَاقِيَيَّ أَخَمرٌ في كُؤوسِكُما ... أَم في كُؤوسِكُما هَمٌّ وَتَسهِيدُ؟
أَصَخرَةٌ أَنَا؟ ما لي لا تُغَيِّرُني ... هذي المُدَامُ ولا هذي الأَغاريدُ!
يتيمه: يستعبده، والتسهيد: ذهاب النوم، والأغاريد: الأصوات المطربة.
فيقول: أن الدهر بكثرة نوائبه، وما طرقه به من مؤلم حوادثه، أعدمه قلبه وكبده، بتأثير أوجد فيهما، فلم يترك له منهما ما تتيمه العيون الفاترة، وتروق الأجياد الناعمة.
ثم قال: يا ساقيي أهذا الذي تدايرانه في كؤوسكما خمر يلتذ بطعمها، ويستفاد السرور بشربها، أم ذلك هم وسقم، وتسهيد وألم؟ يشير إلى أن الخمر كانت تثير كوامن وجده، وتجدد أسباب حوبه.
ثم قال معجبا بما هو عليه من تعذر السلوة، وقلة الجلد على الغربة: أصخرة أنا فلا تغيرني المدام بما تبعثه من الفرح، والأصوات الغردة بما تثيره من الطرب! فقد خرجت في ذلك عن المعهود، واقتصرت على الأسف الشديد.
إذا أَرَدتُ كُمَيتَ اللَّونِ صَافِيَةً ... وَجَدتُها وَحَبِيبُ النَّفسِ مَفقُودُ
ماذا أبقَيتُ مِنَ الدُّنيا؟ وأعجَبُها ... إِنِّي بِما أَنا بَاكٍ مِنهُ مَحسودُ!
أمسَيتُ أَروَحَ مُثرٍ خَازِنَاً وَيَداً ... أَنَا الغَنِيُّ وَأقوَالي المواعِيدُ
الكميت من الخمر وغيرها: ما كان فيه حمرة وسواد، والمثري: الكثير المال.
فيقول: إذا أردت الخمر الكميت الصافية ألفيتها قريبة ممكنة، كثيرة متأتية، إلا أن أحبه وأمقه، وأسكن إليه وأتعشقه، بعيد متعذر القرب، معدوم غير متمكن الوصل؛