وهذه الحال تمنع من السرور بالخمر، وتثير الأحزان في القلب.
ثم قال: ماذا لقيت من الدنيا وتصرفها، ومن الأيام وتقلبها، وأعجب ما خبرت من ذلك وباشرت، وأغرب ما أبصرت منه وشاهدت، أني أحسد على ما هو يبكي ويحزن، وأنافس في ما مثله يوجع ويؤلم.
ثم قال: أمسيت أروح المثرين نفسا وخادما، وأفرغهم يدا وخازنا، لأني غني وأموالي عدات غير حاصلة، ومكثر وذخائري أقوال غير صادقة.
فيقول مشيرا إلى كافور، ومن كان يستضيف إليه (من) الإخشيدية: إني نزلت بكذابين لا يصدقون في قلوبهم، مذمومين لا يشكرون في فعلهم، يمنعون ضيفهم من أن يقضوا بالقرى حقه، ويعرضون عنه ويطرحون بره، ويحولون بعد ذلك بينه وبين الرحيل من أرضهم، ويتركونه محبوسا على شرهم. يشير إلى أن كافورا قصر من أمره، ومنعه مع ذلك من الخروج عن أرضه.
ثم قال: جود كرام الرجال بأيديهم وبذلهم، وما يتقدمون به من إحسانهم وفضلهم، وجود كافور وأصحابه من ألسنتهم وقولهم، وما يستجيزونه من كذبهم وإفكهم، فلا كانوا ولا كان الجود المرجو منهم، ولا أعدمهم الله الذم المأثور عندهم.
ثم قال: ما يقبض الموت نفسا من أنفسهم الدنية، ولا يتلف روحا من أرواحهم الخبيثة، إلا والموت يتكره ذلك ويتقذره، ويتفادى منه ويتسخطه، حتى كأنه إنما يتناول تلك النفوس بعود يصونه عن قبح روائحها، ويدفعها به إلى خبيث مصائرها. فبين أنهم أرجاس مهجورون، وسقاط محتقرون.