للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كثرة الأكل، وفوائد مصر لا تنفذ، وخيراتها لا تعدم، وكنى بالعناقيد والثعالب عن العبيد والفوائد.

ثم قال: العبد لا يؤاخي الحر الصالح؛ لمخالفته له بطبعه، ومباينته إياه بجنسه، فهو لا يألفه ولا يوده، ولا يضافيه ولا يحبه، لو أنه المشتمل عليه عند ولادته، والحافظ له بالغ حياطته.

ثم قال: لا تشتر العبد إلا وأنت مشتر للعصا معه، لتدخله تحت المخافة، وتحمله على أشد الإهانة، وإلا فإنك لا تستخلص وده، ولا تنتفع بما عنده، فالعبيد أنجاس لا يعدم نكدهم، شرار لا يؤمن تمردهم.

ما كُنتُ أَحسِبنُي أَحيَا إلى زَمَنٍ ... يُسِيءُ بي فِيهِ كَلبٌ وهو مَحمُودُ

ولا تَوَهَّمتُ أَنَّ النَّاسَ قَد فُقِدوا ... وَأَنَّ مِثلَ أَبي البَيضَاءِ مَوجودُ

وَأنَّ الأسوَدَ المَثقُوبَ مِشفرُهُ ... تُطِيعُهُ ذِي العَضَارِيطُ الرَّعادِيدُ

جَوعَانُ يَأكُّلُ مِنْ زَادِي ويَحسِبُنِي ... لِكي يُقالَ عَظِيمُ القَدرِ مَقصُودُ

أبو البيضاء: كناية عن سواد اللون على سبيل التفاؤل، كما قالوا للديغ سليم، وللقفر المفازة، والعضاريط: الذين يخدمون بطعام بطونهم، واحدهم عضروط، والرعاديد: الجبناء، واحدهم رعديد.

فيقول: ما كنت أحسبني أستديم العمر، وأصحب الدهر، إلى زمن بشيء بي فيه مثل كافور، وهو الكلب لؤما وضعة، وسقوطا ودناءة، وما اتفق له من السلطان، وأقترن به من إسعاد الزمان، يوجبان مظاهرته بالحمد على سوء فعله، والمساعدة له فيما يتكره من أمره.

ثم قال: ولا توهمت أن الناس قد عدم رؤساؤهم، وفقد زعماؤهم، حتى صار مثل أبي البيضاء موجودا فيمن يؤمل رفده، مذكورا فيمن يحاول قصده.

ثم قال، وهو يريد كافورا: ولا ظننت أن مثل هذا الأسود المثقوب المشفر، اللئيم

<<  <  ج: ص:  >  >>