للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المشي، وقوة السير: فقلنا لها، ونحن بتربان، أين أرض العراق؟ مستطيلين للشقة، ومستكثرين لتراخي المدة، فكأنها أجابتنا منبهة على مشاهدتها، ومحيلة في ذلك المقام على معاينتها، وبين ما قصد إليه امرؤ القيس حيث يقول:

وَكَأّنَّما بَدرٌ وَصِيلُ كُتَيفَةٍ ... كَأَنَّما مِن عَاقِلٍ أرمَامُ

قال الأصمعي: يريد أن هذه المواضع كأنها اتصلت له مع تباعد من بينها؛ لسرعة سيرها، فلذلك قال أبو الطيب: (فقالت ونحن بتربان ها)، كأن ركائبه أجابته بالإشارة إلى العراق، استقصارا للمدة، وإخبارا عن قلة المهلة.

ثم قال، وهو يريد ركائبه، مؤكدا لما قدمه من سرعتها، وشدة نفاذها وقوتها: وهبت بحسمى، هذا الموضع، هبوب الريح الدبور إذا استقبلت مهب الصبا، وقصدت ذلك القصد، وأمت ذلك السمت، وشبه سرعتها بريح الدبور؛ لأن مهبها من المغرب، واعتمادها مهب الصبا، وهو حقيقة المشرق، وكذلك كان نهوضه من مصر وهي في المغرب، واعتماده العراق وهي في المشرق، فبلغ الغاية فيما وصفه من استعجال رحلته، وأعرب عن الابتداء والانتهاء في سفرته.

رَوَامِي الكِفَافِ وَكَبْدِ الوِهاد ... وَجَارِ البُوَيرَةِ وادِي الغَضَا

وَجَابَتْ بُسَيطَةَ جَوبَ الرَّدَاءِ ... بَينَ النَّعامِ وَبَينَ المَهَا

إلى عُقدَةِ الجَوفِ حَتَّى شَفَتْ ... بِمَاءِ الجُراويِّ بَعضَ الصَّدَى

الكفاف وكبد الوهاد: موضعان، ووادي الغضا والبويرة: واديان متجاوران، وبسيطة: فلاة معروفة، والجوب: القطع، والمها: صغار بقر الوحش، وعقدة الجوف: موضع بعينه، والجراوي: ماء معروف، والصدى: العطش.

فيقول مشيرا إلى ركائبه، وذاكرا لمشاهير المواضع التي اجتازها في طريقه، ويؤكد لما قدمه من استعجال سيره: الكفاف، هذا الموضع، بقوة العدو، وحقيقة العزم، وفاعلة مثل ذلك في كبد الوهاد، هذا الموضع الآخر، وفي وادي الغضا

<<  <  ج: ص:  >  >>