للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والبويرة، هذين الواديين المتجاورين، والموضعين المتقاربين.

ثم قال، وهو يريد ركائبه: وجابت بسيطة، هذه الفلاة، فشقتها شق الرداء، متوسطة لها، ومظهرة لأشد العجلة بها، وهي فيما هنالك بين النعام الشاردة، وصغار بقر الوحش السالمة. يشير إلى أن هذه المفازة بعيدة لا تسلك، ونائية لا تعبر، فوحشها لا يذعر، ونعامها لا ينفر.

ثم قال: أنه واصل السير غير مترفق، وأمضاه غير متثبط، حتى أورد مطاياه عقدة الجوف، فشفى بماء الجراوي بعض عطشها، وأعانها بورده على كد تعبها.

وَلاَحَ لَها صَوَرٌ والصَّبَاحُ ... وَلاَحَ الشَّغُورُ لها والضُّحَى

وَمَسَّى الجُمَيعِيَّ دِئْدَاؤُها ... وَغَادَى الأضَارِعَ ثُمَّ الدَّنَا

فَيَالَكَ لَيلاً على أَعكُشٍ ... أَحمَّ الرَّواقِ خَفِيَّ الصُّوَى

صور والشغور والجميعي: مواضع بالبادية، والدئداء عدو أسرع من الخبب، والأضارع والدنا: مياه معروفة، وأعكش: موضع، والأحم: الأسود، والرواق: ظلة ترفع على عمود واحد. والصوى: حجارة تجمع في الطريق لتكون هداية فيه، واحدتها صوة.

فيقول مخبرا عن ركائبه: ولاح لها، بعد الماضع التي قدم ذكرها، صور، والصباح ظاهر، والليل ظاعن، ولاح الشغور لها، في ضحى ذلك اليوم.

(ثم قال: ومسى الجميعي) دائداء تلك الإبل، وهي جاهدة غير مفترة، ومسرعة غير مقصرة، وغادى ذلك الدائداء الأضارع والدنا، مع ما بينهما وبين ما تقدمها من طول الشقة، وبعد المسافة.

ثم قال مشيرا إلى الليل الذي قطعه، والإظلام الذي أدرعه: فيا لك ليل غشيني على أعكش، هذا الموضع، فمد علي رواق سدفه، وأخفى عنى الصوى، التي هي الهداية، بشدة ظلمه، فقطعته مشتملا به، ونهضت فيه غير متهيبة له.

<<  <  ج: ص:  >  >>