للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونجم ناجم من بني كلاب، وسار إلى الكوفة، فخرج إليه أهلها، وكان فيمن خرج إليه أبو الطيب، وجرى بينهم طراد، فانهزم الخارجي ومن معه من بني كلاب، وجرد الديلمي دلير بن يشكروز إلى الكوفة ومعه جيش، فصادف القوم وقد انهزموا، فواصل أبا الطيب وأنفذ إليه ثيابا من الديباج الرومي والخز والدبيقي، وقاد إليه فرسا بمركب ثقيل، فقال أبو الطيب يمدحه، أنشده في سنة ثلاث وخمسين وثلاث مائة.

كَدَعواكِ كُلٌّ يَدَّعِي صِحَّةَ العَقلِ ... وَمَنْ ذَا الَّذي يَدري بِمَا فِيهِ مِنْ جَهلِ

لَهِنّضكِ أَولَى لاَئِمٍ بِمَلامَةٍ ... وَأَحوَجُ مِمَّنْ تَعذِلِينَ إلى العَذلِ

تَقُولِينَ ما في النَّاسِ مِثلَكَ عَاشِقٌ ... جِدِى مِثلَ مَنْ أَحبَبتُهُ تجِدِي مِثلِي

لهنك: كلمة إضمار ومخاطبة معناها: لأنك، فأبدلوا الهاء من الهمزة، كما قالوا: هراق وهم يريدون أراق، وأدخلت لام الإخبار على ذلك.

فيقول مخاطبا لعاذلته، ومشيرا إلى لائمته: مثل الذي تدعينه أيتها العاذلة من صحة العقل، وتظنينه في عذلك من صواب الفعل، يدعيه كل ذي رأي سواك ويعتقده، وكل ذي مذهب يتخيره ويلتزمه، ومن ذا الذي يشعر بمقدار جهله، وينظر بعين الحقيقة من نفسه؟!.

ثم قال: لهنك أيتها العاذلة أحق اللائمين بالملامة، وأبعدهم عن طرق الإصابة، وأحوج إلى العذل من الذي تقصدينه بعد ذلك وتعتمدينه بلومك.

ثم قال مشيرا إليها: تقولين لي ما في الناس عاشق على مثل بصيرتك، ولا محب يحتمل على طريقتك، وقولك في ذلك لا يدفع عن الصدق، ورأيك لا يعدل عن الحق، فجدي مثل من أحببته في جلالة القدر، تجدي مثلي فيما بلغته من الحب.

مُحِبٌّ كَنَى بالبِيضِ عَنْ مُرهَفَاتِهِ ... وَبالحُسنِ في أَجسَامِهِنَّ عَنِ الصَّقلِ

وَبِالسُّمرِ عَنْ سُمرِ القَنَا غَيرَ أَنَّني ... جَنَاهَا أَحبَّائِي وَأَطرَافُهَا رُسلي

المرهفات: السيوف، والقنا: الرماح، وجنى الشجرة: (اجتنى) ثمرتها، ويستعار

<<  <  ج: ص:  >  >>