للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك في كل ما ترتقب فائدته.

فيقول لعاذلته: والمثل الذي أشير لك إليه؛ هو محب يكنى بالبيض عن مرهفات سيوفه عند ذكرها، وبالحسن في أجسامهن عما يعجب به من صنيعها وصقلها.

ثم قال: ويكني بالسمر عن سمر رماحه كلفا بها، ويجعل ما يظهره من الشغف خالصا لها، ويعتقد أن ما يجتنيه بتلك الرماح، كالأحباب الذين ينحو نحوهم، ويجعل أطرافها إليهم، الرسل الذين يستحفظهم أمرهم.

عَدِمتُ فُؤادَاً لَم تَبِتْ فيهِ فَضلَةٌ ... لِغَيرِ الثَّنَايَا الغُرِّ والحَدَقِ النُّجلِ

فَمَا حَرَمَتْ حَسنَاءُ بالهَجرِ غِبطَةً ... وَلا بَلَّغَتها مَنْ شَكَا الهَجرَ بالوَصلِ

الثنايا من الأسنان: معروفة، والغر: البيض، والأعين النجل: الواسعة.

فيقول: أعدمني الله قلبا (لا) تكون فيه فضلة عن الاشتغال بالحب، والتصرف في أسباب لعشق، والكلف بحسان النساء، ذوات الثنايا الغر الواضحة، والعيون النجل الفاترة، ولا مرحبا بقلب ينزع من الأمور إلى أرفعها، ويحن من منازل الشرف إلى أجلها وأكرمها.

ثم أكد ما دقمه، فقال: فما حرمت حسناء بهجرها غبطة يتشرف المحروم بنيلها، ولا منعته كرامة ترتفع منزلته بإدراك مثلها، ولا بلغت إلى ذلك من شكا هجرها بما تبذله من الوصل، ولا من ألم لبعدها بما تسمح له به من القرب.

ذَرِينِي أَنَلْ ما لا يُنَالُ مِنَ العُلاَ ... فَصَعبُ العُلاَ في الصَّعبِ والسَّهلُ بالسَّهلِ

تُريِدينَ لُقيَانَ المَعَالِي رَخيصَةً ... ولا بُدَّ دُونَ الشَّهدِ مِنْ إبَرِ النَّحلِ

حَذَرْتِ عَلَينَا المَوتَ والخَيلُ تَدَّعِي ... ولم تَعلَمِي عَنْ أَيِّ عَاقِبَةٍ تُجلِي

اللقيان: لغة في اللقاء، وإبرة النحل: التي تلدغ بها، وكذلك إبرة العقرب، وجمعها: إبر، والإدعاء في الحرب: الانتساب على طريق الافتخار وطلب الاشتهار، والإجلاء: الكشف.

<<  <  ج: ص:  >  >>