للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيقول مشيرا إلى عاذلته: ذريني لأنال من العلا ما يصعب نيله، وأدرك منها ما لا يقرب مثله، فليس يدرك من المعالي ما تجل قيمته، إلا بتكلف ما تعظم مشقته، وما كان منها يقرب تناوله، فبحسب ذلك يكون تسافله.

ثم قال مخاطبا لها: تريدين أن ألقى المعالي وادعا غير متمون، وأدركها ريحا غير متكلف، ولابد دون الشهد والتلذذ بتطعمه من لدغ إبر النحل، والتحمل لألمه.

ثم قال، وهو يريد عاذلته، وأشار إلى الوقعة التي شهدها عند وروده الكوفة، حذرت علينا الموت، والحرب تسعر، والفرسان في غمراتها تدعي وتفتخر، ولم تعلمي ما أجلت عنه من الظهور والغبطة، وما أعقبت به من الكرامة والرفعة. وأشار إلى تشكره له دلير بن يشكروز من اشتهاره في تلك الحروب، وما قارضه به من الإحسان والبر.

وَلَسْتُ غَبِينَاً لَو شَرَبْتُ مَنِيَّتي ... بإكرامِ دِلِّيرَ بنِ يَشكَرَوَزَ لِي

تَمُرُّ الأَنَابِيبُ الخواطِرُ بَينَنَا ... وَنَذكُرُ إقبَالَ الأَميرِ فَتَحْلَو لِي

وَلَو كُنتُ أَدرِي أَنَّها سَبَبُ لَهُ ... لَزَادَ سُرورِي بالزِّيَادَةِ في القَتْلِ

الغبين: المغبون، وهو فعيل بمعنى مفعول، كما يقال قتيل بمعنى مقتول، وشريت الشيء، بعته، وشريته: ابتعته، وأراد هاهنا الابتياع، والأنابيب: ما بين كعوب القناة، واحدها: أنبوب، وأشار بها إلى الرماح.

فيقول: ولست مغبونا لو ابتعت المنية مغتبطا بها، ولقيتها غير متكره لها، جزاء بما أولاني دلير بن يشكروز من كرامته، ومقارضة لما خصني به من ملاطفته.

ثم قال مشيرا إلى الوقعة التي شهدها بالكوفة، وكانت سبب قدوم دلير بن يشكروز على الناحية: تمر بيننا أنابيب الرماح التي استعملناها في المطاعنة، وضربناها فيما عانيناه من المقاتلة، ونذكر ما يدعو ذلك إليه من قدوم الأمير دلير بن يشكروز، فيحلو لي لنا من ذلك ما مر طعمه، ويحسن عندنا منه ما يستكره أمره.

<<  <  ج: ص:  >  >>