للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال: ولو كنت أدري دراية تيقن أن ما باشرته في تلك الوقعة سبب إلى قربه، وموجب للنظر إلى وجهه، لزاد سروري بوفور حظي من القتل الذي كنت أحذره، واقتحامي على الهلاك الذي كنت أتوقعه.

فَلا عَدِمَتْ أَرضُ العِراقَينِ فِتنَةً ... دَعَتكَ إليها كاشِفَ الخَوفِ والمَحْلِ

ظَلِلْنَا إذا أَنبَى الحَدِيدُ نُصولَنَا ... نُجَرِّدُ ذِكرَاً مِنكَ أَمضَى مِنَ النَّصلِ

وَنَرمي نَواصِيهَا مِنِ أسمِكِ في الوَغَى ... بِأَنفَذَ مِنْ نُشَّابِنَا وَمِنَ النَّبلِ

المحل: الجدب، والعرقان: الكوفة والبصرة، والعراق: شاطئ، ولذلك سميتا، والنصول: السيوف، ونبوها: تأخرها عن النفاذ في القطع، والوغى: أصوات المقاتلين في الحرب.

فيقول مخاطبا لدلير: فلا أعدم الله العراق فتنة قدمت بك إلى أرضها، وصيرتك مدبرا لأمور أهلها، فأنت كاشف الخوف عنها بهيبتك، وبركة سياستك، وصارف المحل بكرمك وجود راحتك.

ثم قال يخاطبه: ظللنا في الوقعة التي قدمت على أثرها إذا نبت السيوف بأيدينا عند المجالدة، وعليها كثرة (جنن) أعدائنا المتظاهرة، نجرد فيهم من ذكرك ما هو أنفذ من السيوف الصارمة، وأشد عليهم من النصول الماضية.

ثم قال، وهو يريده: ونرمي من أسمك نواصي الخيل التي نستقبلنا، ونراكب الفرسان التي تعترض لنا، بأنفذ من نشابنا، وأمضى ما نستعمله من سلاحنا. يريد أنه كان تداعيهم في تلك الحرب باسمه، وإجلابهم على المقاتلين لهم بذكره، أنفذ مما رموه من النشاب عن القسي العجمية، ومما رموا به من نبلهم عن القسي العربية، والنبل: سهام العرب، وصاحبها نابل ونبال، وسائر سهام العرب النشاب. قال الأعشى وهو يذكر عجم الفرس في يوم ذي قار:

لَمَّا أَمالوا إلى النُّشاب أَيدِيَهُمْ ... مِلْنَا بِبِيضٍ فَظَلَّ الهَامُ يُختَطَفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>