للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويقصدون لرعي ما تنبتها من بقلها، لمنعت السحاب من أن تجوده بقطرها، وتسمح بما يرتقبه الرواد من ويلها، ليكون ذلك عائقا للأحبة على الرحلة، ومانعا مما أحذروه فيهم من الفرقة.

ثم قال: إذا السحاب بما يسمح به من انهماله، وما ظفر به الرواد من تواصل انسكابه، يشاكل حال الغراب الذي ينعب بينهم، ويتطير به فيما يحذر من بعدهم، وكأن أصوات السحاب عند تكاثر صوته يؤذن من فراق الأحبة لمثل ما يؤذن به الغراب بصوته.

ثم قال: وإذا الهوادج المتضمنة لهم، والحمائل الراحلة بهم، لا يخدن بقفر يقطعنه، ونفنف يتجشمنه، إلا شققن عليه من هوادجهم، ومصبغات ركائبهم، ثوبا أخضر يروق مبصره، وملبسا مونقا يعجب متأمله.

يَحمِلْنَ مِثلَ الرَّوضِ إلاَّ أَنَّها ... أَسبَى مَهَاةً لِلقُلوبِ وَجُؤذَرا

فَبلَحظِها نَكِرَتْ قَنَاتي راحَتي ... ضُعفاً وَأَنكَرَ خَاتِمَايَ الخِنصَرا

أَعطَى الزَّمانُ فَمَا قَبِلتُ عَطَاَءهُ ... وَأَرادَ لِي فَأرَدْتُ أَن أَتخَيَّرَا

المهاة: البقرة الوحشية، والجوذر: ولدها، والخنصر: آخر أصابع اليد، وهو أصغرها.

فيقول، وهو يريد الحمائل: يحملن من الهوادج التي يسبل عليها الديباج ما هو كالروض في الحسن والبهجة، وما يشاكل ذلك في الجمال والنضرة، إلا أن ما يتضمنه الديباج من الأحبة المشتملات، والحسان المرسلات له، أملك للعقول، وأقدر على تصريف العقول من مها رياض القفر وجآذرها، وما تتصرف الأقوال فيه من محاسنها.

ثم قال: فلبحظ تلك المها الراحلة، ومحاسن الجآذر الظاعنة، نكرت قناتي راحتي بما صرت إليه من نحول الجسم، وما لا أزال أتشكاه من دخيل النعم، وأنكر

<<  <  ج: ص:  >  >>