للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أوطانها، استدفاعا للقر، وتفاديا من شدة الضر، واعتمدت قوما يوقدون العنبر مستطرفين لريحه، ويحرقونه متنعمين بفوحه.

ثم قال مشيرا إلى ناقته: وتكرمت ركباتها عن البروك في الرمل، وترفعت عن الوقوع على الترب، فاعتمدت بلادا تقع فيها على المسك الأذفر، وتفوز من سعادتها بالحظ الأوفر.

فَأَتَتكَ دَامِيَةَ الأَظَلِّ كَأنَّما ... حُذِيتْ قَوَائِمُها العَقيقَ الأَحمَرَا

بَدَرَتْ إليكَ يَدَ الزَّمانِ كَأَنَّمَا ... وَجَدَتْهُ مَشغُولَ اليَدَينِ مُفَكِّرا

الأظل: خف البعير وبه يطأ الأرض.

فيقول مخبرا عن ناقته، ومخاطبا للممدوح: فأتتك دامية الأظل، لشدة سيرها، وبعد مسافة أرضها، كأن قوائمها قد حذيت بالعقيق الأحمر. يشير إلى أن أخفافها ألمة حافية، وأسافلها مكلومة دامية.

ثم قال، وهو يريد ناقته، ويخاطب ابن العميد ممدوحه: بدرت إليك يد الزمان، التي تقبض الآمال؛ بتعرض صروفها، وتعوقه عما يقصده بترادف خطوبها، وكأنها وافقت منه غرة، فانتهزت فيه فرصة، ووجدته مشغول اليدين، ففاتته بنفسها، ومقبلا على التفكير، فلم يعقها عما حاولته من أمرها.

مَنْ مُبلِغُ أَنِّي بَعدَها ... جَالَستُ رَسْطَالِيسَ والإسكَندَرَا

وَمَلِلتُ نَحرَ عِشَارِها فَأضَافَنِي ... مَنْ يَنحَرُ البِدَرَ النُّضَارَ لِمَنْ قَرَى

رسطاليس: حكيم معروف من حكماء اليونانيين، والإسكندر: ملك من ملوك الروم دانت له الأرض بجملتها، والعشار: جمع عشراء، وهي الناقة التي قد مضى لحمها عشرة أشهر، والبدر: جمع بدرة، وهي كيس فيه عشرة آلاف درهم، والنضار: الذهب، وقرى: بمعنى أضاف.

فيقول: من مبلغ الأعراب الذين فارقتهم، وفرقهم الذين كنت تألفهم، أني جاست

<<  <  ج: ص:  >  >>