للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعدهم من ابن العميد الذي قصدت نحوه.

وتيممت أرضه، رسطاليس في درايته وحكمته، والإسكندر في تملكه ورفعته.

ثم قال: ومللت ما تعتد به الأعراب من نحر عشارها، وما تفتخر به في الضيافة من عقر جمالها، فأضافني ابن العميد؛ من ينحر لأضيافه بدر الذهب، ويريحهم من كد الطلب، ويعزون بجواره فلا يذلون، ويأمنون بمكانه فلا يخافون.

وَسَمِعْتُ بَطْلَيموسَ دَارِسَ كُتْبِهِ ... مُتَمَلِّكَاً مُتَبَدِّياً مُتَحَضِّرا

وَلَقِيتُ كُلَّ الفاضِلِيْنَ كأَنَّمَا ... رَدَّ الإلهُ نُفوسَهُمْ والأَعصُرا

نُسِقُوا لَنَا الحِسَابِ مُقَدَّماً ... وَأَتَى فَذلِكَ إذْ أَتَيتَ مُؤخَّرا

بطليموس: حكيم من حكماء اليونانيين، ومليك من ملوكهم، والمتبدي: الذي يألف البوادي، والمتحضر: الذي يلازم الحواضر، والنسق: الجمع والنظم.

فيقول: وسمعت من ابن العميد بطليموس في سعة علمه، وبراعة لفظه، وتفقد لدراسة كتبه، متملكا في رفعته وجلالته، متبديا في عروبيته وفصاحته، متحضرا في دقته ولطافته.

ثم قال: ولقيت بلقائي له كل الفاضلين، وجميع الحكماء المتقدمين، حتى كأن الإله أشهدني عصورهم بمشاهدة عصره، وأراني كرم نفوسهم بما رأيته من كرم نفسه.

ثم قال: نسقوا لنا بذكر خصالهم، وما قيدته الأخبار من رفيع أحوالهم، على ما تقدم منهم في الأزمان الخالية، والمدد السالفة، وكانوا كالحساب الذي يقدم الكاتب في الصك ضروب رسومه، ويبين تفاسير وجوهه، ثم يجمع تلك الرسوم بجملتها، والتفاسير مع كثرتها، بقوله: فذلك، مشيرا إلى رأس العدد الذي يحضر ما ذكره، ويشتمل على جميع ما قدمه، فشبه ابن العميد بذلك الرأس، الذي يحيط مع تأخره، بما يتكاثر من الحساب مع تقدمه، وجعل فضائل جميع المتقدمين مشهودة بمشاهدة فضائله، محصورة في تضاعيف محاسنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>