للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يا لَيتَ بَاكِيَةً شَجَانِي دَمعُها ... نَظَرَتْ إلَيكَ كما نَظَرْتُ فَتَعذِرا

فَتَرَى الفَضِيلَةَ لا تَرُدُّ فَضِيلَةً ... الشَّمسُ تَشرِقُ والسَّحَابُ كَنَهوَرا

الشجو: الحزن، والكنهور من السحاب: ما تراكب وصار كأمثال الجبال.

فيقول مخاطبا لأبن العميد، ومشيرا إلى من تخلفه من أهله: يا ليت باكية شجاني عند فراقها ما أذرته من الدمع، وأوجعني ما أبدته من الوجد، نظرت كما نظرت، وأبصرت من فضائلك كالذي أبصرت، فتعذرني فيما تكلفته إليك من الرحلة، وما تحملته من ألم الفرقة.

ثم قال: فكانت تشهد منك الفضل الذي لا يعارض برده، والكرم الذي (لا) عهد لها بمثله، وتعاين من سحاب جودك كنهورا لا يفتر وبله، ومترادفا لا ينقطع سكبه، والشمس مع ذلك لا ينكسر ضوءها، ومشرقة لا ينتقض نورها، فترى السحاب على غير ما عهدته، وانسكابه على خلاف ما باشرته.

أَنَا مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ أَطيَبُ مَنزِلاً ... وَأَسَرُّ راحِلَةً، وَأَربَحُ مَتجَرَا

زُحَلٌ على أَنَّ الكواكِبَ قَومُهُ ... لَو كَانَ مِنكَ لَكانَ أَكرَمَ مَعشَرَا

زحل: كوكب معروف من السبعة الخنس التي ذكرها الله عز وجل.

فيقول مشيرا باغتباطه بالوفود على ابن العميد: أنا أفضل الناس منزلا بكرم المنزل الذي تبوأته، وأسرهم راحلة ببركة السفر الذي تكلفته، وأربحهم متجرا بقبول الرئيس الذي وجهن إليه، واقتصرت بآمالي عليه.

ثم قال يخاطب ابن العميد ممدوحة: زحل مع جلالة رتبته، واستبانه رفعته، وأن الكواكب قومه، وبينها شاهد فضله، لو كان منك وإليك، وأقتصر في انتسابه عليك، لكان أشرف من الكواكب معشرا، وأجل منها أولا وآخرا. وهذا من إفراط الشعراء الذين يقصدون منه بذكر ما لا يمكن، إحراز الفضل ببلوغ غاية ما يمكن.

<<  <  ج: ص:  >  >>