يردي: أن جفن هذا السيف كان محلى بذهب قد أجيد صقاله، وأثبت فيه مثاله، فصار الصقال في جفنه كالفرند المتلألئ في متنه، فكأنما أغمد في ذلك الأثر؛ لما في الذهب الذي حلي به غمده من جودة الصقل.
مَنعَلٌ لا من الحَفَا ذَهَبَاً يَحْمِلُ ... بَحراً فِرندُهُ إزبَادُهُ
يَقسِمُ الفَارِسَ المُدَجَجَ لا يَسلَمُ ... مِنْ شَفرَتَيهِ إلاَّ بدادُهْ
المنعل من السيوف: الذي يكون في أسفل غمده من الذهب والفضة، أو ما يقوم مقامهما مما يصان به، والفرند: وشيء السيف، والازباد: الرمي بالزبد، والمدحج: المشتمل بالسلاح، والبداد: لبد السرج، والآحاد: الأفراد.
فيقول: أن السيف الذي ذكره أنه وهب له، كان منعلا بالذهب، لا لحفاء لحقه، ولا لوهن أدركه، ولكن على سبيل الصيانة له، والشح به، وذلك الغمد المنعل يحمل من نصله ما هو كالبحر في رونقه وصفائه، وفرنده عليه كالزبد المتصل بمائه.
(ثم قال): الفارس المدجج في السلاح لا يعتصم منه بشكته، وما استظهر به من آلته وعدته، وينفذ فيه إلى أن يقد سرجه، ويدرك لبده. يريد أن هذا السيف قد جمع غاية الكرم في فعله ومخبره، كما جمع غاية الحسن في هيبته ومنظره.
ثم قال: جمع هذا السيف لهذا الدهر؛ ما هو عليه من نفاذ حدته، ويدي ابن العميد اللتين يبطشان بقوته، وثنائي الذي دللت به على حقيقة صفته، فاجتمعت له آحاد الزمان التي لا تماثل، ومفرداته التي لا تقاوم، وثنى اليد، وإنما تصرف السيف مفردة؛ لأن الأخرى تعضدها في تصرفها، وتسبب لها أسباب تمكنها.
وَتَقَلَّدَتْ شَامَةً في نَدَاهُ ... جِلدُها مُنفِسَاتُهُ وَعَتَادُهْ