ثم قال مؤكدا لما قدمه: رب شيء لا تعبر الألفاظ عن مثله، ولا تبلغ إلى حقيقة وصفه، والفؤاد يشهد له ويصدقه، ويعتقده ويتحققه. فأشار إلى أن في نفسه من إعظام ابن العميد وتفضيله ما لا يعبر عنه بشعره ولا يستوفيه بمبلغ وسعه.
ثم قال باسطا لعذر نفسه، ومعترفا بالتقصير عن وصف فضل الممدوح لشعره: ما تعودت أن أرى كأبي الفضل فيمن رأيته من العلماء، وامتدحته من الرؤساء، وكان امتداحي لهم بحسب أحوالهم، ومبلغ أقدارهم، فأشرت منه غير ما عهدته، واستقللت له من الشعر ما نظمته، والذي أسداه إلي من الفضل، وغمرني به من البذل، عادته التي عهدها، وطريقته التي لا منكر لها، فهو لا يخرج في الكرم عن عرفه، وأنا أحاول غير ما عهدته في وصفه.
إنَّ في المَوجِ لِلغَرِيقِ لَعُذْرَاً ... واضِحاً أَنْ يَفوتَهُ تَعْدادُهْ
يقول مشيرا إلى ما أحاط به من فضل ابن العميد، وتقصيره عن بلوغ الواجب في ذلك: أن ما في موج البحر مع كثرتها، وامتناع الإحاطة بجملتها، ما يبسط عذر الغريق في عجزه عن حصرها بذكره، وإحصائها بعده. فشبه ما تتابع عليه من مواهب ابن العميد بأمواج البحر، وشبه بالغريق فيها؛ لتقصيره عن حقيقة الشكر.
ثم قال: للندى الذي هو خلق ابن العميد، الغلبة في المساجلة، والزيادة عند المماثلة، لأنه فاض علي وهو عماده، والإغراق فيه مراده، فعارضته بما أهديته إليه من الشعر، وأتحفته به من غرائب النظم، وذلك بأن الذي أسند إليه، وأعول عليه، فأعجز قولي بفعله، وزاد على جهدي بعفوه.