للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشعر، والأكراد: صنف من العجم في أطراف بلاد فارسِ، يذهبون مذاهب الأعراب في مداومة الرحل، واتخاذ بيوت الشعر والإبل، والعالم: جميع الخلق.

فيقول: خلق الله ابن العميد، وهو أفصح الناس كلهم، وأنفذهم في البيان بأسرهم، في مكان من فارس منقطع عن الموسومين بالفصاحة، منتزح عن المتقدمين في حسن الإبانة، أعراب ذلك المكان الأكراد، الذين هم أهل العجمة، والمشهورون بالغباوة والهجنة.

ثم قال: وخلق في ذلك المكان من ابن العميد أحق الغيوث نفسا بحمد، وأهدى الكرماء إلى كل مجد، في زمان قد قل خيره، ودق أهله، وصارت أنفسهم كالجراد في دناءتها وقلتها، وما طبعت عليه من مضرتها، وكذلك إنما تلافى الله الناس بالرسالة الهادية، وأرشدهم بالنبوة الصادفة، حين شاع الفساد فيهم، واستولت أسباب الجاهلية عليهم، وكذلك يتلافاهم الله بأهل الكرم والبذل؛ ليديل بهم عن استيلاء الدناءة والبخل. يشير إلى أن ابن العميد ممدوحه، أصلح الله به ما فسد من أهل زمانه، وعمهم بتطوله وإحسانه.

ثم قال مبينا أن فضل ابن العميد لا يخل به نقصان أهل داره، وأن ذلك يزيد فيما أبانه الله من فضله: زانت الليل مع شدة سواده، واستكراه النفوس لإظلامه، غره القمر المشرق فيه بنوه، المجلي الظلمة بضوئه، ولم يشنه ذلك السواد ولا نقصه، ولا أخل به ولا وضعه، بل زادت مخالفته لليل في حسنه، وأكدت ما رفعه الله من قدره، وكذلك نقصان أهل الزمان، لا يخل بما جمعه الله لأبن العميد من التمام، بل ذلك يضاعفه ويتممه، ويبين مقدار نعمة الله فيه.

كَثُرَ الفِكرُ كَيفَ نُهدِي كَمَا أهدَتْ ... إلى رَبِّها الرَّئيسِ عَبَادُهْ

والَّذي عِندَنا مِنَ المَالِ والخَيلِ ... فَمِنهُ هِبَاتُهُ وَقِيَادُهْ

فَبَعَثْنَا بِأربَعِينَ مِهَارَاً كُلُّ ... مُهْرٍ مَيدَانُهُ إنشَادُهْ

<<  <  ج: ص:  >  >>