للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنفذت هاتان القصيدتان من أرجان إلى أبي الفتح بن محمد بن العميد بالري، فعاد الجواب يذكر شوقه إلى أبي الطيب وسروره به، وأنفذ أبياتا نظمها، فقال أبو الطيب عند قراءة الكتاب:

بِكُتْبِ الأَنَامِ كِتَابٌ وَرَدْ ... فَدَتْ يَدَ كاتِبِهِ كُلُّ يَدْ

يُعَبِّرُ عَمَّا لَهُ عِندَنَا ... وَيَذْكُرُ مِنْ شَوقِهِ ما نَجِدْ

فَأَخرَقَ رَائِيَهُ ما رَأى ... وأبرَقَ ناقِدَهُ ما انتَقَدْ

أخرق: بمعنى أدهش، وأبرق: بمعنى أبهت.

فيقول: بكتب الأنام كتاب يعدلها بجلالته، وينوب عن جميعها بكرامته، جعل الله كل يد فداء يد كاتبه، ولا أعدم الزمان تزينه به.

ثم قال: يعبر فيه عن مثل ما بأنفسنا من الحرص عليه، ويخبر عن مثل ما نعتقده من النزاع إليه، ويذكر من الشوق كالذي نجده، ويقول فيه ما نعتقده.

ثم قال: فأخرق ذلك الكتاب ما رأى من غرائبه، وأبرق منتقده ما باشره من بدائعه، وأشرف من ذلك على ما يسلب النفوس بحسنه، ويتحكم عليها ببراعة لفظه.

إذا سَمَعَ النَّاسُ ألفاظَهُ ... خَلَقْنَ لَهُ في القُلُوبِ الحَسَدْ

فَقَلْتُ وَقَدْ فَرَسَ النَّاطِقِينَ ... كَذَا يَفعَلُ الأَسَدُ ابن الأَسَدْ

الخلق: التقدير في الصناعة، والفرس: دق العيون.

فيقول مشيرا إلى الكتاب الذي قدم ذكره: إذا سمع الناس بدائع لفظه، وتأملوا غرائب حسنه، بعث ذلك في قلوبهم الحسد لكاتبه، وأوجب عليهم المنافسة فيه لصاحبه.

ثم قال مخبرا عن نفسه: فقلت وقد فرس الناطقين بعجزهم عن مقاومته، ووقوع البأس لهم عن مماثلته، هكذا يفعل الأسد ابن الأسد في إدراك ما لا يدرك مثله، والوصول إلى ما يتعذر فعله.

<<  <  ج: ص:  >  >>