للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من قصدته، وسعادة الرئيس الذي اعتمدته.

ثم قال مشيرا إلى رواحله: (إذا ما استحين الماء)؛ لكثرة تعاهده لها، وأردن مقارضته لما يظهره من البر لها، ألفينه والروض يشمله، وشربنه والزهر يستره، فتناولته بمشافر كالسبت، ووافقته في إناء من الورد؛ فأشار بالورد إلى تروض مشاربها، وبالسبت إلى رقة مشافرها، وكذلك ترق مشافر الإبل إذا كرمت مراعيها، وإذا رعت الشوك جفت وغلظت، وتغيرت وخشنت، وقد ذكر ذلك أبو عبيدة وغيره من الرواة.

ثم قال على نحو ما قدمه: كأنا بما أظهرته لنا الأرض من زخارفها، وطالعتنا من محاسنها، أرادت أن تشكر عند الرئيس الذي قصدناه بفعلها، ونثني عليه بما شهدناه من عونها، فلم يخلنا جو هبطناه، وموضع احتللناه، من رفد ومعونة، وتأثير ومبرة.

لَنَا مَذهَبُ العُبَّادِ في تَركِ غَيرِهِ ... وإتيَانِهِ نَبغِي الرَّغائِبَ بالزُّهدِ

رَجَوْنَا الَّذي يَرجونَ في كُلِّ جَنَّةٍ ... بِأَرجَانَ حَتَّى ما يَئسنَا مِنَ الخُلْدِ

الرغائب: الأشياء المرغوبة، واحدتها رغيبة، والزهد في الشيء: الإعراض عنه، وأرجان: البلد الذي كان فيه ابن العميد، والخلد: طول البقاء.

فيقول، وهو يريد ابن العميد: لنا مذهب العباد الذين يزهدون في الدنيا وأهلها، ولا يحفلون بشيء من أمرها، لما يرتجون في الآخرة من جزيل الثواب، ويرتقبونه فيها من كريم المآب، وكذلك رجونا نحن من الممدوح بزهدنا في غيره، كالذي رجاه العباد من نعيم الجنة، وأملوه من الراحة والنعمة، حتى ما يئسنا مع ذلك بسعادة الممدوح من بقاء يشبه الخلود بدوامه، ويتكمل بأفضل ما يؤمله من تفضله وإنعامه. وهذا الإفراط من تزيد الشعراء الذين يدعون فيه ما لا يمكن ليظفروا ببلوغ الغاية فيما يمكن.

<<  <  ج: ص:  >  >>