ثم قال وهو يريده: فتى فات بكرمه أهل داره، وأربى عليهم برفيع قدره، فلم يعدوه بالنقصان الذي لحقهم، ولا نالوه بالتخلف الذي أحاط بهم؛ وضرب بالرمد مثلا لأهل زمانه، فيما هم عليه من التأخر، وأشار بسلامة الممدوح منه إلى موضعه من الرئاسة والتقدم.
ثم دل على حال الممدوح في أهل الزمان، فقال: وخالفهم بخلقه وخلقه ومنزلته وموضعه، فقد جل أن يعدوه لتواضعهم عنه، أو يعديهم لتباعدهم منه؛ لأنهم يقصرون عن تمامه، ويعجزون عن تفضله وإنعامه.
يُغَيِّرُ أَلوانَ اللَّيالِي على العِدَى ... بِمَنشُورَةِ الرَّاياتِ مَنصُورَةِ الجُندِ
إذا ارتَقَبُوا صُبحَاً رَأَوا قَبلَ ضَوئِهِ ... كَتَائِبَ لا يَردِي الصَّباحُ كَما تَردِي
وَمَبثُوثَةً لا تُتَّقَى بِطَلِعَةٍ ... ولا يُحتَمَى مِنها بِغَورٍ ولا نَجدِ
المنشورة الرايات: الجيوش، والكتائب: مواكب الخيل المجتمعة، والرديان: ضرب من العدو شديد، والغور: ما اطمأن من الأرض، والنجد: ما ارتفع منها.
فيقول مشيرا إلى الممدوح، وما هو عليه من كثرة جيوشه التي يوجهها إليهم، وجموعه التي تتواتر عليهم: ومما تتضمنه تلك الجيوش من السلاح الذي يضيء ويشرق، وينير ويتألق، وما يقترن بذلك من الرايات المنشورة، والكتائب المؤيدة المنصورة.
ثم قال، وهو يريد أعداء الممدوح: إذا ارتقبوا إسفار صبحهم، وانتظروا انصرام ليلهم، رأوا قبل ذلك كتائب سائرة، ومقانب راجعة، تبادر الصباح لسرعة سيرها، وتسابقه برديانها وعدوها.
ثم قال: ورأوا كثرة من الخيل مبثوثة، لا يعتصم من مثلها بطليعة؛ تؤذن بقربها، وتنبه من وراءه على أمرها، ولا يتخلص منها بسهول الأرض والإمعان في