للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ركوبا على الخيول العتاق السامية؛ فأشار بذكر العمائم إلى تفضيله على جميع ملوك العرب الذين يختارونها لزيهم، ويتجملون بها في أيام حفلهم، وذل بما وصفه من التمكن على المنابر إلى موضعه من الخطابة، وبما وصفه به من الحذق بركوب الخيل إلى موضعه من الشجاعة، وأبدع بحسن التقسيم ولطف الإشارة.

ثم قال مؤذنا لرحلته، وقاصدا إلى الممدوح بمخاطبته: تفضلت الأيام لمشاهدتي لك، وما مكنته من الاجتماع بك، فلما حمدت ما فعلته، وسكنت إلى ما مكنته، لم يدم ذلك فأديم حمدها، ولا وصلته فأقول بشكرها، ولكنها ألزمتني الارتحال عنك، وسلبتني غبطة الاقتراب منك.

جَعَلْنَ وَدَاعي واحِداً لِثَلاثَةٍ ... جَمَالِكَ والعِلمِ المُبَرِّحِ والمَجدِ

وَقَدْ كُنتُ أَدرَكتُ المُنَى غَيرَ أَنَّني ... يُعَبِّرُنِي أَهلِي بإدرَاكِها وَحدِي

وَكُلُّ شَرِيكٍ في السُّرورِ بِمُصبَحِي ... أَرَى بَعدَهُ مَنْ لا يَرَى مِثلَهُ بَعدِي

العلم المبرح: الذي يشق بالطالب إدراك مثله، والصبح: وقت الصباح.

فيقول مشيرا إلى الأيام، ومخاطبا للممدوح: جعلن وداعي فعلا مني واحدا لخصال منك ثلاث؛ جمالك الذي لا تقاوم بهجته، وعلمك الذي لا تعادل كثرته، ومجدك الذي لا تماثل رفعته.

ثم قال: وقد كنت أدركت منك غاية الرغبة، واشتملت في حضرتك بأوفر النعمة، إلا أن أهلي يعيرونني بالاستئثار عليهم، وينكرون انفرادي بالحظ الجليل دونهم، فأنا أرغب مساهمتهم في فضلك، ومشاركتهم فيما وصله الله عز وجل علي من رفدك.

ثم قال: وكل من يسر من أهلي بمصاحبتي له، ويرتاح عند اختلائي به، أرى منك بعده من لا يعتاض بعدي بمثله، ولا يصل إلى ما أصل إليه من فضله، والنفوس

<<  <  ج: ص:  >  >>