للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على البذل، ولا يلذ بغير ما يظهره من الفضل.

لا تَجِدُ الخَمْرُ في مَكارِمِهِ إذا ... انتَشَى خَلَّةً تَلاَفَاهَا

تُصَاحِبُ الرَّاحُ أَريَحِيَّتَهُ ... فَتَسقُطُ الرَّاحُ دُونَ أدنَاهَا

لو فَطَنَتْ خَيلُهُ لِنَائِلَةٍ ... لَمْ يُرضِهَا أَنْ تَرَاهُ يَرضاها

الانتشاء: السكر، والخلة: الوهن والنقصان، والراح: الخمر، والأريحية: اتساع الخلق والانبساط بالمعروف.

فيقول، وهو يريد الممدوح: لا تجد الخمر عند تناوله لها، وانتشائه بها، خلة في كرمه تتلافاها بالزيادة فيما قصر عنه، ولم تبلغ بطبيعته إلى الغاية منه؛ لأن جوده في حين صحوه، لا تمكن الزيادة فيه بسكره.

ثم قال مؤكدا لما قدمه: يصاحب الخمر في حين سكره، وما تزيد عليه من أريحية كرمه في حين صحوه، فيسقط ما يبعث عليه طرب السكر عند أقل ما تبعث عليه طبيعته من الكرم والفضل، وأراد ما سبق إليه أمرؤ القيس حيث يقول:

وَتَعْرِفُ فيهِ مِنْ أَبيهِ شَمَائِلاً ... وَمِنْ خَالِهِ وَمِنْ يَزيدَ وَمَنْ حُجُرْ

سَمَاحَةَ ذا، وَبِرَّ ذَا، وَوَفاَء ذَا ... وَنَائِلَ ذَا، إذا صَحَا وإذا سَكِرْ

ثم قال: لو فطنت خيله لعموم بذله فيما يملكه، وسروره بما ناله؛ ما يوافقه ويستحسنه، لما أرضاها أن ترضيه بتقدمها في سبقها، وتروقه بما يشهده من تطهيمها وعتقها؛ لما يدعو إليه ذلك من تقصيرها في جملة ما يبذله، فيما يؤثره من الإنعام والفضل.

ثم أكد ذلك بقوله:

تَسُرُّ طَربَاتُهُ كَرَائِنَهُ ... ثُمَّ تُزِيلُ السُّرورَ عُقبَاهَا

بِكُلِّ مَوهوبَةٍ مُولولَةٍ ... قَاطِعَةٍ زِيرَهَا وَمَثْناهَا

تَعُومُ عَومَ القَذَاةِ في زَبَدٍ ... مِنْ جُودِ كَفِّ الأَمِيرِ يَغشَاهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>