للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حومة الحرب الأمراء، وتسجد له الشجعان والرؤساء.

ثم قال يريد الممدوح:

الفَارِسُ المُتَّقِي السِّلاَحُ بِهِ المُثنِي ... عَلَيهِ الوَغَى وَخَيلاها

لَو أَنكَرَتْ مِنْ حَيَائِهَا يَدُهُ ... في الحَربِ آثَارَهَا عَرَفنَاهَا

وَكَيفَ تَحفَى الَّتي زِيادَتُها ... وَنَاقِعُ المَوتِ بَعضُ سِيمَاها

الوغى: الحرب، سميت بذلك لارتفاع الأصوات فيها، وناقع الموت: كثيره وشديده، والسيما: العلامة.

فيقول، وهو يريد الممدوح: الفارس الذي يستكف السلاح بجلالته، ويتقي بإحجام الأبطال عن مواجهته، تثني عليه الوغى باستيلائه على جملتها، واستيفائه غاية حقيقتها، الذي يثني عليه خيلا الحرب من أصحابه وأضداده؛ فأما أصحابه فلاعتصامهم به، وأما أضداده فلاعترافهم له.

ثم قال: لو أنكرت يده آثارها في الحرب، وزيادتها على جميع الشجعان في الطعن والضرب، ترفعا عن التمدح بذلك، وحياء من استجلاب ذكره، لعرفناها بانفرادها دون مماثلة، وتوحدها من غير مشابهة.

ثم قال: وكيف تخفى أفعاله التي تزيد على ما تفعله الفرسان، وتقلل ما يفعله الشجعان، وناقع الموت المرتبط بها، ونفاذه في كل من يتعرض لها، بعض سيماها التي تخصها وتعينها وتظهرها للناس وتبينها.

لَو كَفَرَ العَالمونَ نعمَتَهُ لَمَا ... عَدَتْ نَفسُهُ سَجَايَاهَا

كالشَّمسِ لا تَبتَغِي بِمَا صَنَعَتْ ... مَنفَعَةً عِندَهُمْ ولا جَاهَا

العالمون: جميع الخلائق من الإنس والجن، والسجايا: الطباع، واحدتها سجية، والجاه: ارتفاع المنزلة في الناس.

فيقول مشيرا إلى الممدوح: لو كفر العالمون نعمته الجليلة الشاملة، وأياديه الرفيعة

<<  <  ج: ص:  >  >>