للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لغته إلا بمترجم، ولا يتفسر له قوله إلا بمبين، مع أنه قد علم كلام النمل، وتفسرت له لغات ما لا ينطق من الحكل.

ثم ذكر أن تلك المواضع مع تباعدها عن الأسنة، وما هي عليه من الإقفار والوحشة؛ طبت فرسانه وخيلهم بجمالها وطيبها، وحببت إليهم الإقامة فيها ببهجتها وحسنها، حتى خشي على فرسانه التأخر عنه؛ لسرورهم بها، وعلى خيله الحران؛ لإيثارها لها.

غَدَونَا تَنفُضُ الأغصَانُ فيهِ ... عَلَى أَعرَافِها مِثلَ الجُمَانِ

فَسِرْتُ وَقَدْ حَجَبنَ الحَرَّ عَنَّا ... وَجِئنَ مِنَ الضِّياءِ بِمَا كَفَانِي

وَألقَى الشَّرقُ مِنهَا في ثِيابِي ... دَنَانِيرَاً تَفِرُّ مِنَ البَنَانِ

الجمان: أمثلة تؤخذ من الفضة كاللؤلؤ، واحدتها جمانة، والشرق: مطلع الشمس، والبنان: أطراف الأصابع.

فيقول: غدونا نسير في هذا الشعب الذي ذكره، بين أشجار متكاثفة الظلال، متدانية الأغصان، تنفض على أعراف خيلنا من الندى المستقر في أوراقها، عند اتصالنا بها وتحريكنا لها، قطرا يشبه الجمان في حسن منظره، ويماثله في صفاء جوهره.

ثم قال: فسرت بين تلك الأشجار، وقد حجبت عني الحر فما أتأمله، وأهدت إلي من الضياء بحسب ما أرغبه، وألقى الشرق على ثيابي من خلل تلك الأغصان، وفرج تلك الظلال لمعا من أنوار الشمس في هيئة الدنانير، تفر من بنان الأيدي فلا تدركها، وتسبقها عند الإيماء إليها فلا تلحقها. يشير إلى أن طريقه إنما كان بين أشجار متدانية، وحدائق متوالية، لا يتشكى الحر من سلك بينها، ولا يتوقعه من تفيأ ظلها.

لَهَا ثَمَرٌ يُشيرُ إليكَ مِنهُ ... بأشْرِبَةٍ وَقَفنَ بِلا أوَانِي

<<  <  ج: ص:  >  >>