للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبُوكُمْ آدَمٌ سَنَّ المَعَاصِي ... وَعَلَّمَكُمْ مُفُارقَةَ الجِنَانِ

الحصان: الذكر من الخيل.

فيقول: أن فرسه الذي كان يحمله، ظهر عليه من التثاقل في الخروج عن الشعب، والنشاط إلى الاستقرار به، والحرص على الكون فيه، ما حل محل العاذل لراكبه، واللائم لمزعجه، حتى كأنه قال له: أعن هذه الجنات الظاهرة، والحدائق الملتفة الرائقة، يستعمل الرحلة إلى الملوك الذين لابد عندهم من الطعن والضرب، والطعان والمبارزة للأقرا؟! وكأنه خاطبه في عذله، وما تابع عليه من لومه بأن قال له: أنك من جماعة سن لهم أبوهم المسارعة إلى العصيان، والمفارقة للخلود في الجنان، فليس بعجيب ما تتخيره من التقصير بنفسك، وما تستهله من إتعاب جسمك.

فَقُلْتُ إذا رَأيتَ أَبَا شُجَاعٍ ... سَلَوتَ عَنِ العِبَادِ وذا المَكَانِ

فَإنَّ النَّاسَ والدُّنيا طَرِيقٌ ... إلى مَنْ ما لَهُ في النَّاسِ ثَانِ

لَهُ عَلَّمْتُ نَفسِي القَولَ فِيهِمْ ... كَتَعلِيمِ الطِّرادِ بِلا سِنَانِ

الطراد: التجاول في الميادين على الخيل، والسنان: الحديدة التي تركب في أعلى القناة، وبها يكون الطعن.

فيقول مجيبا لما نسبه من الخطاب إلى حصانه: إذا رأيت أيها الحصان الممدوح أبا الشجاع، الذي أريده وأقصده، وأؤمله وأعتمده، وتقلبت في ذراه، وأحاطت بك عوارفه ونعماه، سلوت عن هذا المكان، وحدث لك زهد في جميع الأنام.

ثم أكد ما قدمه بأن قال: فأن الناس باجمعهم، والدنيا المشتملة عليهم، طريق إلى من فات الناس بفضله، وبذهم بجلالة قدره، فليس له فيهم نظير يشبهه، ولا ثان يدانيه ويقاربه.

ثم قال: له علمت نفسي ما قدمته من مدح الأمراء، وما نظمته من الشعر في

<<  <  ج: ص:  >  >>