للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال: وقد علمت خيل سيف الدولة أن علته لا تثني همته، وشكاته لا تعوق عزيمته، وإنه إذا هم عليل ركب غير متوقف، وإذا أراد أمرا أمضاه غير متلوم، وأن تجلده لا تثنيه العلل، واعتزامه لا يصرفه الألم.

أَتاهُمْ بأَوْسَعَ مِنْ أَرْضِهِمْ ... طِوال السَّبِيْب قِصارَ العُسُبْ

تَغِيْبُ الشَّواهِقُ في جَيْشِهِ ... وتَبْدو صِغاراً إذا لم تَغِبْ

ولا تَعْبُرُ الرَّيحُ في جَوَّهِ ... إذا لَمْ تَخَطَّ القَنَا أَو تَثِبْ

السبيب: خصل الذنب، والعسب: جمع عسيب وهو العظم الذي ينبت عليه شعر الذنب، وقصره من الفرس دليل على عتقه، وطول سبائبه من شواهد كرمه، والشواهق: الجبال العالية، واحدها: شاهق،

والجو ما ارتفع من الهواء.

فيقول، وهو يشير إلى سيف الدولة، وإلى أهل الثغر: أتاهم الدمستق بجيش ضاقت عنه أرضهم، وزادت سعته على سعة بلدهم، كثيرة جموعه، كريمة خيوله؛ سبائب تلك الخيول. . .، تغيب شواهق تلك الجبال في ذلك الجيش لعظمه، وتخفى فيه لكثرة عدده، وما بدا منها فهو صغير في عين مبصره، قليل فيما يسبق إلى متأمله.

ثم قال: يمنع ذلك الجيش الريح من أن تعبره لتكاثف كتائبه، ويعوقها عن أن تسلكه لالتفاف رماح عواليه، فليس تنهض الريح في جوه إلا مستعلية متحيلة، ولا تتخلص منه إلا مرتفعة متوثبة.

فَغَرَّقَ مُذْنَهُمُ بالجُيوشِ ... وأَخْفَتَ أَصْواتَهُمْ باللَّجَبْ

فَأَخْبِثْ بِهِ طَالِباً قَتْلَهُمْ ... وأَخْيِبْ بِهِ تارِكاً ما طَلَبْ

الأخفات: الإخفاء، واللجب: اختلاط أصوات أهل العسكر.

فيقول: فغرق الدمستق مدن الثغر في جمعه، وغيبها فيما أحاط بها من حشده،

<<  <  ج: ص:  >  >>