للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واخفت أصوات أهلها بلجبه، وغطى عليها بكثرة عدده، فما أخبثه في طلب قتلهم، ومحاولة الظفر بهم، عند معرفته بعلة سيف الدولة، ومسارعته إلى انتهاز تلك الفرصة، ومبادرة تلك الغرة، وما أخيبه في ترك مت طلبه، وإعراضه عما قصده، عند مقاربة سيف الدولة له، ودنوه منه، واعتصامه بالفرار بنفسه، ومعرفته بما له مع سيف الدولة في حربه.

نَأَيْتَ فَقَاتَلَهُمْ باللَّقاءِ ... وجئتَ فَقَاتَلَهُمْ بالهَرَبْ

وكانوا لَهُ الفَخْرَ لَما أَتَى ... وكُنْتَ لَهُ العُذْرَ أَمْا ذَهَبْ

يقول لسيف الدولة: نأيت عن أهل الثغر، ووقفتك عنهم علتك، فقاتلهم الدمستق بغزو أرضهم، ولقاء خيلهم، وجئت نحوهم فقاتلهم بالهرب عنهم، والفرار منهم.

ثم قال: وكانوا له الفخر بغزوه إليهم، وإقدامه عليهم، وكنت له العذر في انصرافه عما كان أنفذه من قصدهم، وفراره عما اقتحم فيه من أرضهم؛ لأن من عجز عن حربك فهو غير ملوم في عجزه، ومن فر عن لقاك فهو غير مضيق عليه في عذره.

سَبَقْتَ إليْهِمْ مَنَاياهُمُ ... ومَنْفَعَةُ الغَوْثِ قَبْلَ العَطَبْ

فَخَرُّوا لِخَالِقِهِمْ سُجَّداً ... وَلَوْ لَمْ تُغِثْ سَجَدوا لِلصُّلُبْ

وَكَمْ ذُدْتَ عَنْهُمْ رَدًى بالرَّدَى ... وَكَشَّفتَ مِنْ كُرَبٍ بالكُرَبْ

ذدت: بمعنى دفعت، والعطب: الهلاك.

فيقول لسيف الدولة: سبقت إليهم مناياهم التي كانت قد قاربتهم ومهالكهم التي كانت شافهتهم، مسرعا نحوهم غير متوقف، ومبادرا غير متأخر، ومنفعة الغوث أن تكون قبل وقوع العطب، وفائدته أن يسبق به قبل حلول التلف.

ثم قال: فخر أهل الثغر لخالقهم ساجدين لقصدك نحوهم، ونادوك شاكرين على احتلالك أرضهم، ولو لم تغثهم لغلبت الروم عليهم وكانوا يفتنونهم عن دينهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>