يقول مخاطبا لقلبه: أقل اشتياقا أيها القلب إلى سيف الدولة، وهون عليك ما تكلفته من مفارقته، فقد كان لا يعطيك بحقك، ولا يجزيك بصفاء ودك، وكثيرا ما صفوت لمن لا يصفو لك، وبخلت بمن لا يبخل بك.
ثم قال على نحو ذلك: خلقت ألوفا لمن أصاحبه، خالص الود لمن أداخله، معرضا عن زلته، صابرا على هفوته، حتى إني لما أرعاه من حق الصحبة، وأحفظه من وصائل الخلة، لو رحلت إلى الصبا، مع أثرته، وأسف النفوس على انصرام مدته، لفارقت الشيب موجع القلب لفرقته، باكيا عليه لما أرعاه من ذمة صحبته، مع أن الشيب يؤذن بذهاب القوة، ويشهد على انصرام المدة.
الفسطاط مدينة مصر، والجرد: الخيل القصيرة شعر الجلود، وذلك فيها من شواهد الكرم، والقنا: الرماح الخفاف المتسابقة إلى الجري، والصفا: حجارة ملس، واحدتها صفاة، والحوافي: التي لم يبلغن بالحديد.
فيقول: لكن بالفسطاط من كافور ممالكها، بحرا يزخر جوده، ومنعما لا يمطل فضله، أزرته حياتي ونصحي، واعتمدته شعري ومودتي، وأشار بالهوى إلى وده، وبالقوافي إلى شعره.
ثم قال: وازرته خيلا كراما امتطيتها ومن معي إليه، ومددنا القنا بين آذانها حرضا عليه، فباتت خفافا متسرعة، نشاطا متسابقة، تتبع الرماح المتقدمة بها، ولا تتوقف على الناهض بها.
ثم قال، يشير إلى قوة تلك الخيل وكرمها، وإلى نفاذها وجلودها: تماشى بأيد، إذا قرعت الصفا مع قوته، ووافقته مع صلابته وشدته، مقشت به مثل صدور البزاة