للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهي حافية منعلة، ومتعبة غير مرفهة، يشير إلى قوة وطئها، وصحة خلقها، وأفرد صدور البزاة وهو يريد الجمع؛ لأنه اسم شائع في نوعه، فواحده يعرف عن جميعه، والعرب تفعل مثل ذلك، أنشد سيبويه:

كُلوا في بَعْضِ بَطْنِكُمْ تَعِفُّوا ... فإنَّ زَمانَكُمْ زَمانٌ خَمِيصُ

فأقام البطن مقام البطون، كما أقام أبو الطيب الصدر مكان الصدور.

وتَنْظُرُ مِنْ سُودٍ صَوادِقَ في الدُّجَى ... يَرَيْنَ بَعِيْداتِ الشُّخوصِ كما هِيا

وَيَنْصِبْنَ لِلْجَرسِ الخَفِيَّ سَوَامعا ... يَخَلْنَ مُناجَاةَ الضَّمِيرِ تَناجِيا

تُجاذِبُ فُرْسَانَ الصَّبَاحِ أَعِنَّةً ... كَأَنَّ عَلَى الأَعْنَاقِ مِنْها أَفَاعِيَا

الدجى: الظلمة، واحدتها دجية، والجرس: الصوت، والمناجاة: السرار، والأفاعي: حيات معروفة.

فيقول: وهو يصف الخيل المذكورة: وتنظر في ظلم الليل من أعين سود المقل، صادقة النظر، يرين الشخوص النائية في الليالي السود الداجية، على حسب حقيقتها، وما هي عليه من شهود هيئتها. وحدة السمع والبصر في الخيل من شواهد الكرم.

ثم قال: وتنصب للجرس من الخفي سوامع صادقة، وآذانا منصبة، تخال لصدق حسها، ونفاذ سمعها، مناجاة الضمير تناجيا لا خفاء به، وإعلانا لا التباس فيه. وأشار إلى كرم الخيل بما ذكره من حدة سمعها، كما أشار إلى ذلك فيما ذكره من قوة نظرها.

ثم قال: تنازع بقوتها على السير، وتبادرها إلى الجري، الفرسان الذين سروا عليها في الليل، وواجهوا عليها ضوء الصباح؛ الأعنة التي يمسكونها ويصرفونها فيها، حتى كأن على الأعناق منها أفاعي تلسعها، وحيات تكف بها. يشير إلى مرحها مع شدة تعبها، ونشاطها مع اتصال سيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>