فيقول لكافور: إذا اكتسب الناس الشرف بكرمهم، وأحرزوا المعالي بعطاياهم ومننهم، وكان نيل الشرف غاية قصدهم، وإدراكه مبلغ جهدهم، فأنت تهب الشرف لمن قصدك، والمعالي لمن أملك، وترفع سائلك فتجعله مرجو الفضل، وتبسط يده حتى يوجد كثير البذل.
ثم قال: وغير بديع فيما شهر عنك، ولا غريب فيما عهد منك، أن يزورك راجل لا مطية له، وساع على قدميه لشدة الفاقة به، فتغنيه وتجبره، وتشرفه وتظهره، حتى يكون ملكا واليا على الأمصار العظيمة، متقلدا للأعمال الرفيعة، لا تبعد العراقان عن ولاية مثله، ولا تستنكر أن تدبر بأمره.
فَقَدْ تَهَبُ الجَيْشَ الذي جَاَء غَازِياً ... لِسائِلِكَ الفَرْدِ الذي جَاَء عَافِيا
العافي: السائل، وحاشا: حرف يجر به، وفيه معنى التعويذ والاستثناء، وقد يكون فعلا فينصب ما بعده.
فيقول لكافور: فقد يردك العافي من قصدك، فترفعه وتشرفه، وتعليه وتمكنه حتى يكون أمير جيش، يصرفه قائدا له، ويتملكه غازيا به، فيردك فردا عافيا، ويصير بك أميرا عاليا.
ثم قال مخاطبا له: وتحتقر الدنيا احتقار من خبرها بتجربته، وحصرها بمعرفته، فرأى كل ما فيها فانيا لا يدوم، وكل ما شاهد منها راحلا لا يقيم، فسخا بجليل ذلك غير مستعظم، وبذله غير مستكثر، وحاشاك أيها المأمول من معالجة الدنيا لك بالفناء، ونسأل الله لك طول البقاء.