للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الجزء الرابع]

بسم الله الرحمن الرحيم

على الله توكلت

قد كنت اقتصرت على ذكر أبيات وجدتها للشعراء في دواوينهم عند قراءتي لها، واشتغالي بالبحث عما أخذ المتنبي بعض ألفاظها ومعانيها، وأنكر أسماءهم وفضائلهم فيها، ثم وجدْت بعدها أبياتاً آخر لهم ولغيرهم من المتقدمين، فلم أستجز إسقاطها من جملة ما كنت دللت عليه، وأوضحت الطريق إليه، من أبياته التي ادعى أصحابه أنه ابتدعها، واقتضابها، واخترعها من ذات نفسه، وما أغتصبها، فألحقتها بما تقدم، وأضفتها إليها غير معتقد أني إذا استقصيت في أستنباط أمثالها، وروّيت في استخراج أشكالها، لم أجد سواها، ولم أظفر بما يجري مجراها، ولعلّ جماعة من المتعصبين له يطعنون فيما أوردته، ويستهجنون بعضاً مما سردته، ويزعمون أن المتنبي وإن أخذ معاني تلك الأبيات فقد زاد من ألفاظه فيما يحلو سماعه، وتعذب أنواعه، ويلطف موقعه، ويخفّ على القلوب موضعه، ويصل إلى النفوس بلا تكلف، ويمتزج بالأرواح بلا تعسف، ويسلم من فجاجة أشعار المتقدمين وتعقيدها وغموضها وتنكيدها، وكساها من عنده معارض استوفى شروط الجمال في كلها، وأستكمل أقسام الكمال بتسهيلها وحلها، ونظم محاسنها التي كانت متفرقة بحسن صنعته، وأزال الكزازة والجهامة التي اشمأزت عنها النفوس بحذقه وبراعته، حتى صار هو أولى بها من مبدعها، وأحق بأن يشهد له الفضلاء بانفراده بها لجلالة موقعها، فإذا ألزمتهم الكلام على بيت بعينه، وأرشدتهم إلى ما تصوّر في نفوسهم، ورسخ في عقولهم من استحسانه زاغوا عن الحق، وراغوا، واحتالوا على محال لا يدرك بوهم ولا يجول في فطنة وفهم،

ولست أقول إنه وإن أخذ شعر غيره، وضرب على قالب من سواه، فكان المقتدى، لا المبتدى، واللاحق، لا السابق، وأورد من عنده ألفاظاً سهلة تعلق بالنفوس حلاوة، وتسبق ما سواه طلاوة، فقد أفسد الترتيب، وأساء التأليف؛ إذ أفضل جميع أشعار من تقدمه على أشعاره، أو أنسبه في كل ما سلبه

<<  <   >  >>