وطوال هذه الحقبة، وأجيال الأندلسيين تستغيث بالعالم الإسلامي، شرقًا وغربًا، فلم تصل استغاثاتهم إلا إلى آذان صماء ووعود كاذبة في معظم الأحيان، وخيانات صارخة في بعضها، وكأن العالم الإسلامي أقنع نفسه أن الأندلس أصبحت في عالم الخيال وأنه لا حول له ولا قوة في نصرة إخوانه الأندلسيين الذين يستغيثون به.
وثبتت الإرادة الأندلسية أمام هذا الخذلان والخيانات. ففي سنة ١٦٠٩ م، قرر الطاغية بمباركة الكنيسة طرد ما يزيد على ربع مليون من مفكّري الأندلسيين ومثقفيهم ليترك جماهيرهم هملاً سهلة الإدماج فتشتت الأندلسيون على أطراف المعمورة، داخل العالم الإسلامي وخارجه، ووصل منهم إلى شواطىء المغرب الأقصى والجزائر وتونس نصيب الأسد، فزادوا المجتمع المغربي ثراء وقوة وحضارة وإيمانًا. وادعت إسبانيا أن الطرد شمل جميع مسلمي الأندلس وأنها أحلت محلهم مهاجرين نصارى من شمال البلاد. وما أبعد هذا الادعاء عن الحقيقة التاريخية التي وردت في المصادر الإسبانية نفسها.
ثم دخل النضال الأندلسي حقبة جديدة بعد هذا الطرد، تابع فيها دفاعه عن بعض مقومات شخصيته المتأثرة بالإسلام ثم ظهر هذا النضال في القرن التاسع عشر على شكل دفاع عن وجود قومية أندلسية متميزة تعتز بتاريخها الإسلامي، وتحاول استرجاع هويتها، مستعملة اللغة القومية المقبولة آنذاك في المجتمع الغربي. ثم ظهرت في أوائل القرن العشرين شخصية بلاس انفانتي الفذة الذي اعتنق الإسلام وعمل حسب طاقته في ذلك الحين على توعية المجتمع الأندلسي، وإزاحة الغشاء المظلم الذي أنزله أعداؤه على تاريخه وماضيه الإسلامي. فأدت أفكار بلاس انفانتي إلى استشهاده سنة ١٩٣٥ م.
ثم رجعت هذه الأفكار إلى الظهور بعد نهاية الحكم الدكتاتوري في إسبانيا بموت فرانكو سنة ١٩٧٥ م. فتحركت القوى التحررية إلى تخليص إسبانيا من الهيمنة الكاثوليكية والاعتراف بالتعددية القومية، فتحولت إسبانيا من دولة مركزية إلى دولة اتحادية اعترف فيها بالثقافات المختلفة. فظهرت من جديد القومية الأندلسية تطالب بالاستقلال الذاتي لمنطقتها، والاعتراف بشخصيتها، متمركزة حول أفكار بلاس انفانتي السياسية وبعض أفكاره الثقافية. وهكذا كان تأسيس منطقة الأندلس سنة ١٩٨٠ م، وعاصمتها إشبيلية، نصرًا لتلك الأفكار. فاستعادت المنطقة بعض