الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه حلقة جديدة مباركة من برنامجكم: معالم بيانية في آيات قرآنية، والآية التي نحن بشأن الحديث عنها اليوم إن شاء الله تعالى هي: قول الله جل وعلا على لسان خليله إبراهيم: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}[الشعراء:٨٠].
نقول: أيها المباركون! هذه الآية جاءت ضمن سياق آيات في قضية إخبار إبراهيم عن ربه تبارك وتعالى مع قومه، قال الله جل وعلا عنه أنه قال:{قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:٧٥ - ٧٧].
ثم أخذ إبراهيم يعدد صفات ربه تبارك وتعالى، ويثني عليه بما هو أهله، ويبين مقام الربوبية العظيم الذي لا يشارك الله جل وعلا فيه أحد ولا ينازعه، قال:{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}[الشعراء:٧٧ - ٨٢].
نلحظ هنا: أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام في كل تلك الأمور نسبها إلى الرب جل وعلا، أما المرض فنسبه إبراهيم إلى نفسه مع يقيننا أن إبراهيم يعلم أن المرض من الله تبارك وتعالى، فربنا جل وعلا الخير كله بيديه والشر ليس إليه، لكن إبراهيم عليه السلام أراد بهذا التأدب مع رب العزة والجلال، وهذا هي الغاية العظمى من إسناده المرض إلى ذاته ونفسه، قال:{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}[الشعراء:٨٠]، وهذا الأمر -أي: الأدب مع الله جل وعلا- حلية وأي حلية تحلى بها الأنبياء والصالحون من بعدهم، وسيبقى هذا الأمر إلى يوم الدين، فالأدب مع الرب تبارك وتعالى منزلة عالية يوفق لها أهل الطاعات، ويرشد إليها أهل الفضائل، وقد كان الأنبياء عليهم السلام يتنافسون في هذه المنزلة، وهذا جلي في خطابهم مع ربهم جل وعلا.