للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خطبة المسجد الحرام - ١٣ ربيع الثاني ١٤٣٢ - وجوب الإجتماع ونبذ الفرقة - الشيخ عبد الرحمن السديس

الخطبة الأولى

الحمدُ لله حمدًا لم يزَل مِدرارًا وكَّافًا، ونشكرُه - سبحانه - على ترادُف نعمائه شكرًا يتوالَى أضعافًا.

لك الحمدُ اللهم حمدًا مُخلَّدًا على نعمٍ لم تُحصَ عدًّا فتنفَدا

ونسألك التوفيق للشكر إنه يكون لنعماء الإله مُقيِّدًا

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تقدَّس أسماءً وجلَّ أوصافًا، شهادةً نُحقِّقُ بها تآزُرًا وائتلافًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبدُ الله ورسوله خيرُ من ألَّف الأشتات إيلافًا، صلَّى الله وبارَك عليه وعلى آله المُوطَّئين أكنافًا، وصحابته الأُلَى كانوا في التلاحُم أحلافًا، وعن التنازُع صُدَّافًا، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ من المُقتفين أسلافًا، وسلِّم يا رب تسليمًا عديدًا مديدًا إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله:

أنفسُ ما يُوصَى به دوامًا لمن رامَ اجتماعًا والتئامًا، وهفَا للحق اعتصامًا به والتِزامًا، وقصدًا للوحدة الإسلامية واعتِزامًا: تقوى الله دوامًا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: ١٠٢].

إخوة الإيمان:

من أنعمَ النظرَ في آفاق التأريخ العافي والأَمَم، واستقرأَ أحوالَ الأُمَم وما نابَها من غِيَر الدُّثُور بعد الاستقرار والظهور عبر الدهور ألفَا دون عناء وبمديد الجلاء أن ما أصابها من التشرذُم أو الفَناء والهلَكَة والانمِحاء إنما سببُه قاصمةٌ دهيَاء، هي بريدُ الشِّقاق والفساد، ومطيَّةُ القلاقِل والكَساد، وداعيةُ الفتن والخُسران والهوان والخُذلان، تلكم - يا رعاكم الله - هي: صفة التنازُع والشِّقاق والتخالُف والافتراق، إنها الخَطْبُ الراصِد، والبلاءُ الواصِد، والجهلُ الحاصِد، ما زحَفَت أصلالُها في مجتمع إلا مزَّقَته شَذَر مذَر، وأردَتْه حديثًا لمن غَبَر، وآضَ عبرةً لمن اعتبَر.

وفي ديار الإسلام أناخَت تلك الرزِيَّةُ كلكَلَها بقَدَر، ولن يصُدَّ تيَّارَها تيكَ التشتُّت وآتيَّه ولن يُقوِّم مُعوَجَّه وعصِيَّه إلا اتحادُ المسلمين وتلاحُمهم وترابُط تآخيهم وتراحُمهم، وتلكم هي الشعيرة التي احتفَى بها الإسلام أيَّ احتفاءٍ، فوطَّدَها وعزَّزها ووتَّدَها، أليست هي عمادُ القوة والمُنَّة، ونعمَت النعمةُ والمِنَّة؟! يقول - جل جلاله -: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران: ١٠٣].

وذلك - يا عباد الله - لما يتَرتَّبُ على الاتحاد من المحبة والوِداد، واستئصالِ السخائمِ والأحقاد.

أيها المسلمون:

فإذا انقادَت الأمةُ فكريًّا وسياسيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا للائتلاف، ونبذَت ظهريًّا الاختلاف، واستمسَكَت بالحق وأزِمَّته، وانقادَت للدين وشِرعَته، قرَّت منها العين، وفازَت بالحُسنيَيْن، واندفَعت عنها الشرور، وانقلَع الثُّبُور، وأحرَزَت في العالمين توقيرًا وهيبةً واحترامًا، ولم ينَل منها المُتربِّصون مرامًا، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بالجماعة؛ فإن يدَ الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار»؛ أخرجه الترمذي وصحَّحه.

ففي الجماعة أمةٌ تعِزُّ وترقَى، ومجدٌ يسُطَّر ويبقَى.

معاشر المسلمين:

ولئن اصطلَحَت على أمتنا الأبِيَّة مع الأسى أعضلُ أدواء التنافُر والشتات والتناثُر، وحاقَ بفئامٍ التغطرُس والفشل، فأصبحَ هاديهم النَّصَل والأَسَل، فأراقوا الدماء على مسارِحِ اليَهْماء، جرَّاء الرُّعونة العمياء، وكانوا أنكَى في الإسلام من أعدائه، وأشدَّ ضراوةً على أوليائه، وتشفيًّا من أبنائه.

فليتذكَّروا أن الظلمَ قصيرُ المدة فَليلُ العُدَّة وإن تناهَى في البطشِ والشدَّة، وتظاهَر بالسطوَة والحِدَّة، وفي مسطور الحِكَم: "من طال تعدِّيه كثُرت أعادِيه".

يتحدَّثُ القصفُ الرَّهيبُ بلهجةٍ مسروقةٍ من لهجَة الزلزالِ

يا إخوةَ الإسلام سافرَ حُزنُنا فينا وأوغلَ أيَّما إيغَالِ

إخوة الإسلام:

يُساف ذلك والألمُ المُبرِّحُ ملءَ دواخِلنا؛ حيث غدا شأنُ الأمة في أمرٍ مريجٍ، والحقُّ والباطلُ في مزيجٍ، تُزمجِرُ بالمجتمعات القواصِمُ القواصِف، والفتنُ العواصِف، ومُقدَّراتُها في تناهُب، وسلبٍ وتواهُب، يقول - عزَّ اسمُه -: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ [آل عمران: ١٠٥].

وما سببُ ذلك إلا البُعد عن صراط العزيز الحميد الذي صمُّوا عن هديِه ودعائه وعَمُوا عن نوره وضيائه، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: ٩].

مع انحرافٍ في تلقِّي الوحيَيْن وسوء الفهم واستحكامِ الهوى وغلبةِ الوَهم، وذلك شرُّ أدواء الفُرقة وبَالاً، وأشدُّها في الأمة فتكًا بالقلوب واستِفعالاً.

?

فما الشِّقاقُ - بُناة المجدِ - مبدؤُكم

ولا النزاعُ ولا الإحجامُ عن قِيَمِ

فسارِعوا سدَّ ثغرِ الخُلفِ واعتصِموا لو اعتصَمنَا بحبل الله لم نُضَمِ

أمة الإسلام:

وتلقاء هذه المرحلة العصيبة في الأمة من التنصُّل عن الجماعة والتمزُّع، ونُوَب التفرُّق والتوزُّع التي تدُكُّ صرحَ الأمة دكًّا؛ لزِمَ استنباءُ الأحداث واستشفافُ العِبَر، وتقويمُ قضايانا الإسلامية بمِسبار الشفافية والاستِهداء، وصحة التمييز بين الألِدَّاء والأوِدَّاء، ودقةِ الموازنة في جلبِ المصالحِ ودرءِ المفاسِد، وبصيرة النازِلة لتحقيق الطموح والآمال، وتعزيز مناهِجِ الوسَطِ والاعتدال التي تُحقِّقُ النموذجَ والاعتدال في التآلُف وبديع الامتِثال، وأن تُبنَى النفوس ويُربَّى شبابُ الأمة معقِدُ أملها الباسِل على ثقافة الحوار والائتلاف والترابُط وذمِّ الاختلاف، في سموٍّ للنيات عن الذاتيات والأنانيَّات، ومقيت الحِزبيَّات وآسِن العصبيَّات، ووبيلِ الأفكار الهادِات التي تجُرُّ المآسي وتتأبَّى عن رفوِ المُواسِي، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم: ٣١، ٣٢].

مع الرجوع لأعلام الهُدى ومصابيح الدُّجَى وأنوار الاقتِدا: العلماء الربانيين الذين تُجلَّى بعلومهم حوازِمُ الأمور، وفتنٌ ظلمَاءُ كالدَّيْجُور، وتُشدُّ لهم في المُعضِلات الرِّحال، وبهم تُحذَى مطايا الائتلاف والآمال، فالصُّدُور عنهم - لا سيَّما في الفتن والأزمات - لهو المنهجُ الحق الأنقى، وسبيلُ الرشاد والسلام الأقوى، وبذلم تستأنِفُ أمتُنا العتيدة مكانتها المُشرِقة وتماسُكها واتحادَها واستقرارَها واعتِدادَها، فيرهَبُها الجافِي وينعطِفُ إليها المُوافِي، وتقتعِدُ - بإذن الله - غاربَ العزةِ والهُدى، وترتبؤ نواحِي الإصلاح بسيطِ المدى؛ فتُرى في كل مجتمعٍ قويةَ الكِيان، مُتراصَّةَ البُنيان، نديَّة الوِجدان، حول الكتاب والسنة مُلتفَّة، وبالجماعة معتصِمةً مُحتفَّة، ما صحَّت العزائمُ والطوايا، وخلُصَت الهِمَمُ والنوايا، وما ذلك على الله بعزيز.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: ٨٣].

بارك الله ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقولُ قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين والمسلمات من جميع الذنوب والخطيئات، فاستغفوره وتوبوا إليه، إنه كان توابًا.

الخطبة الثانية

الحمد لله، أسبغ علينا نعمًا مباركاتٍ تتالَت أفواجًا، وحذَّر ممن سعى بالفتن بين المسلمين وداجا، وصلواتُ الله على رسوله ومُصطفاه، وعلى آله وصحابته البالغين من التلاحُم أثباجًا، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ وسلمَّ تسليمًا ما لهَجَ ضارِعٌ بالدعاءِ إلهاجًا.

أما بعد، فيا إخوة الإيمان:

ولما كانت بلاد الحرمين الشريفين المملكةُ العربية السعودية - حرسها الله - قبلةَ الأوطان زينةَ البلدان، ومنها تستقِي الدنيا والتأريخُ والحضارات رحيقَ المجد والسلام والاتحاد والوِئام، وترتشِفُ منها الأُممُ والأجيال شهدَ الروح والجَنان، وتنسمُ نفحات الجِنان ومراضِي الرحيم الرحمن، فإنها لم تفتَأ من قِبَل الأَفَكَة المكرَة محسودة، وبالأذى والحقدِ مقصودة، فكم من أرعنٍ ضحِل المروءة والهِمَّة خافِرٍ للجماعة والذِّمَّة يُزيِّنُ الباطلَ للتفريق، ويُشوِّه الحقَّ للتمزيق، ويُغرِي - يا بُؤسَه - بالفوضى لتزِلّ، وبالفتن - زعَم - لتذِلّ، عبر أفكارٍ دخيلةٍ هَوجاء، ومسارِبَ كالحةٍ رَعناء، لم تتألَّق بالسداد بنفحة، ولا من نورِ الحق بصفحة، وليس لها من الهدي المُحمدي أثَر؛ بل ادَّارَكت فيما زاغَ عنه الفِكرُ وعَثَر.

عباد الله:

أوَمَا درَى من يُذكِي الفتن ويرزعُ الإحَن وكل حاسدٍ مارِق بوحدتنا غاصٌّ وشارِق، وقد درَى العالمُ أجمع أن هذا الوطن - بفضل الله - مُتفرِّدٌ عن سائر الأوطان بخصائصه ومميزاته، وأصوله ومُسلَّماته؛ فقد قامَ منذ عهد المُؤسِّس - رحمه الله - على نور الكتاب والسنة ومنهج سلف هذه الأمة القاضيَيْن بلُزوم الجماعة والبَيْعة على السمع والطاعة، وما خصَّه المولى - سبحانه - بإمامٍ مُوفَّق، قد انبلَجَ صبحُ صلاحه، وأشرقَت شموس برِّه وإصلاحه.

هنا قبلة الإسلام ذاتُ الدعائمِ هنا مثلٌ أعلى لروحِ التلاحُمِ

هنا قلعةُ التوحيد تبقَى قويةً بمنهجِها السامي أمام الشراذِمِ

أوَمَا درَوا أن المسلم الصالح يقتضيه صلاحُه الوفاءَ للوطن والصدق في السر والعلَن، وصونَه عن الإِحَن، وما يعتاقُه من الوَهَن، في بُعدٍ عن مظاهر الفوضَى والاضطراب؛ من مظاهراتٍ بدعية، ومسيراتٍ تخريبية، واعتصاماتٍ غوغائية، وتجمُّعاتٍ فوضوية، ودعاوى كيدية، وبياناتٍ تحريضية.

ولكن - بحمد الله حقَّ حمده - تقشَّعَت دعاواهم الزُّيُوف المُفضِيَةُ للحُتُوف عن سحابٍ قُلَّب، وسرابٍ خادعٍ خُلَّب، وأظهرَ المجتمعُ المُتماسِكُ الأريب، عن قمةِ التلاحُم البديع والالتفاف الفلاني المنيع حول قيادته ووُلاته، وكان شِعارُهم: "اللُّحمةُ والتلاحُم عُدَّتُنا زمنَ الفتن والملاحِم".

فلله هذا التلاحُم بالصدقِ والوفاء ما أضوعَه، وبالحب والصفاء ما أبدَعَه، وبالترابُط والولاء ما ألمَعَه، وبالسمع والطاعةِ ما أروعَه، وعن مظاهر الخِداعِ ما أمنعَه، فهنيئًا لقيادةِ هذه البلاد المباركة وشعبُها الواعي الأبِيّ اليقِظُ الوفِيّ، الذي زمجَرَ في وجه الكائدين وما لبَّى، واستعصَى عليهم وتأبَّى.

?

ألا أيها الشعبُ المبارَكُ: إنها مؤامرةٌ فارفع لها كفَّ حازمِ

إذا الفتنةُ الهوجاءُ بانَ لهيبُها فلا فرقَ فيها بين بانٍ وهادمِ

ويا دعاةَ الفتنة وخفافيش الظلام:

كفُّوا وأبصِروا وانظروا في عواقبِ أموركم واستبصِروا، وهيهات هيهات أن تجِد دعواتُكم الباطلة، وتدخُّلاتكم السافرة بين أبنائنا رواجًا، وفي رُبوع بلادنا نَتاجًا.

ألا فالزَموا - أيها المسلمون - طاعةَ وليِّ الأمر في صالح الأمور في الغيبة والحضور، وشدِّ أزره، وتعزيز أمره، وحمدِه على جميل مسعاه، وشكره على ما أولاه.

حفِظَ الله بلادَ الحرمين الشريفين دوحةً بالاطمئنان والسلام والاستقرار أنيقة، وروضةً بالتآلُف والأمن السابغ وريقة، ولا زال التراحُم والإباءُ يعتادُها، والتواشُجُ والتآصُر يرتادُها، وحفِظَها من شرِّ الأشرار، وكيد الفُجَّار، وشرِّ طوارقِ الليل والنهار.

آمينَ آمينَ لا أرضى بواحدةٍ حتى أُضيفَ إليها ألفَ آمينا

هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على خير الورَى، بدرًا باهرًا، من دبَّج بالتآلُف نجومًا أحبَّةً زواهرًا، صلاةً تعبَقُ شذًى وأزاهِرا، كما أمركم ربُّكم - ذو الجلال والإكرام - في كتابه بديع النظام والإحكام، فقال تعالى - قولاً كريمًا -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: ٥٦].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على النبي المُجتبى، والحبيب المُصطفى: نبينا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آله الشرفاء، وصحابته الأوفياء، ومن دعا بدعوتهم واقتفى يا خير من تجاوز وعفا، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين ذوي القدر العلِيِّ والشرفِ الجَلِيِّ: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم لك الحمدُ بكل نعمةٍ أنعمتَ بها علينا في قديمٍ أو حديث، أو خاصةٍ أو عامة، أو سرٍّ أو علانية، لك الحمدُ بالإسلام، ولك الحمدُ بالقرآن، ولك الحمدُ بالأمن والأمان، ولك الحمدُ بالمال والأهل والمُعافاة، كبتَّ عدوَّنا، وأظهرتَ أمنَنا، وجمعتَ فُرقتنا، وأحسنتَ مُعافاتنا، وبسطتَ رزقنا، وشفيتَ إمامَنا، وواليتَ الغيثَ علينا، فلك الحمدُ كثيرًا والشكرُ كثيرًا كما تُنعِمُ كثيرًا.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم أدِم الأمن والاستقرار في ديارنا، اللهم أصلِح ووفِّق أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّق إمامَنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، اللهم لك الحمدُ بما أقررتَ العيون بشفائه، وما أبهجتَ النفوسَ بلقائه، اللهم وأدِم عليه حُلَل العافية، وثياب الصحة الضافية، واجعله إمام هُدًى راعيًا مرعيًّا هاديًا مهديًّا يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم خُذ بيده في المضائق، واكشف له وجوه الحقائق يا حي يا قيوم، اللهم كن له على الحق مُؤيِدًا ونصيرًا ومُعينًا وظهيرًا، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده والنائبَ الثاني وإخوانهم وأعوانهم إلى ما فيه صلاحُ العباد والبلاد.

اللهم وفِّق جميع ولاة أمور المسلمين لما تحبُّ وترضى، اللهم خُذ بنواصيهم للبر والتقوى، اللهم اجعلهم لشرعك مُحكِّمين، ولسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - مُتَّبعين، ولأوليائك ناصرين.

اللهم احفظ البحرين، اللهم احفظ البحرين من عدوان المُعتدين، اللهم كن لإخواننا في ليبيا، اللهم احقِن دماءَهم، وابسُط أمنَهم وأمانهم، وفي سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُذلُّ فيه أهلُ معصيتك، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف ويُنهَى فيه عن المنكر.

اللهم أنقِذ المسجد الأقصى، اللهم أنقِذ المسجد الأقصى، اللهم أنقِذ المسجد الأقصى من عدوان المُعتدين، ومن ظلم الصهاينة المُحتلِّين الغادِرين يا رب العالمين.

اللهم انصر إخواننا المُستضعفين في دينهم في كل مكان، اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، واقضِ الدينَ عن المدينين، وارحم موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم من أرادنا وأراد عقيدتنا وأمنَنا وبلادَنا بسوءٍ فأشغِله بنفسه، ورُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيره تدميرَه يا رب العالمين.

اللهم كُفَّ عنا عدوان المُعتدين، وحِقدَ الحاقدين، وعبثَ العابثين، وحسد الحاسدين يا رب العالمين يا ذا الجلال والإكرام.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: ٢٠١].

عباد الله:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: ٩٠].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلمُ ما تصنعون.

<<  <   >  >>