خطبة المسجد الحرام - ٢٩ رجب ١٤٣٢ - تأملات في معنى التشهد - الشيخ صالح آل طالب
الخطبة الأولى
إن الحمد لله وله بعد الحمد التحايا الزاكيات، وهو المستعان فمن غيرُه يُرتَجى عند الكروب ودَهم المُلِمَّات، وعليه التُّكلان فحسبُنا الله وهو حسبُ الكائنات، وأشهد أن لا إله إلا الله وله تُزجَى كل تحية، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المجبولُ على أكرم سجيَّة، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وذريته أكرم ذرية، وعلى صحابته ذوي النفوس الرضيَّة، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله - عز وجل -، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: ١٠٢].
من اتقى الله وقاه، وكفاه وأسعدَه وآواه، وتقوى الله خيرُ الزاد ذُخرًا، وعند الله لأتقى مزيد.
أيها المسلمون:
مُذ كان الأدبُ في الناس والناسُ يكسُون به فِعالَهم وكلامَهم عند مخاطبة العظماء ومُلاقاتهم، وخيرُ الناس خُلُقًا أحسنُهم أدبًا، ودينُ الإسلام يُعلِّمنا في الصلاة التي هي عمود الدين وشرفُ العبادات لله رب العالمين أن نتوسَّل إلى الله بأجمل التحايا، وأن تلهَجَ ألسنتُنا بأطيب العبارات وأزكى الكلمات، ومن أعظمُ من الله، ومن أكرمُ منه - جلَّ في عُلاه -؟!
وتأمَّل كيف تتحرك جميعُ أعضاء المُصلِّي وجوارحُه في الصلاة عبوديةً لله خشوعًا وخضوعًا، فإذا أكملَ المُصلِّي هذه العبادة وقبل أن يُسلِّم انتهت حركاتُه، وختمَها بالجلوس بين يدي الرب تعالى جلوسَ تذلُّل وانكسار وخضوعٍ لعظمته - عز وجل - كما يجلسُ العبدُ الذليلُ بين يدي سيده.
وجلوس الصلاة أخشع ما يكون من الجلوس وأعظمُه خضوعًا وتذلُّلاً، فأُذِن للعبد في هذه الحال بالثناء على الله - تبارك وتعالى - بأبلغ أنواع الثناء، وهو: التحيات لله والصلوات والطيبات.
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا إذا جلسنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة قُلنا: السلامُ على الله من عباده، السلامُ على فلان وفلان، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقولوا: السلامُ على الله؛ فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلامُ عليك أيها النبي ورحمةُ الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتُم أصابَ كلَّ عبدٍ صالحٍ في السماء أو بين السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم يتخيَّرُ من الدعاء أعجبَه إليه فيدعو به»؛ رواه البخاري ومسلم.
أيها المسلمون:
من عادة الناس إذا دخلوا على ملوكهم أن يُحيُّوهم بما يليقُ بهم تعظيمًا لهم وثناءً عليهم، واللهُ أحقُّ بالتعظيم والثناء من كل أحدٍ من خلقه، وفي التشهُّد يجمعُ العبدُ أنواعَ الثناء على الله - عز وجل - وأجمل عبارات الأدب والتحية، والتحيات جمع تحية، والتحية هي التعظيم، فكل نوعٍ من أنواع التحيات الطيبة فهو لله، والتحياتُ على سبيل العموم والكمال والإطلاق لا تكون إلا لله - عز وجل -، وهو - سبحانه - أهلٌ للتعظيم المُطلق، فالعظمة والملكُ والبقاءُ لله.
والصلواتُ؛ أي: والصلوات لله، وهو شاملٌ لكل ما يُطلَق عليه صلاةٌ لغةً أو شرعًا من الدعاء والتضرُّع والرحمة، فالصلواتُ كلها لله، لا أحد يستحقُّها سواه، والدعاءُ أيضًا حقٌّ لله - عز وجل -، كما قال - سبحانه -: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: ٦٠].
فكل الصلوات فرضُها ونفلُها لله، وكل الأدعية لله.
والطيبات: هي الأعمال الزكية، ما يتعلَّقُ بالله وما يتعلَّقُ بأفعال العباد؛ فما يتعلَّق بالله فإن له من الأوصاف أطيبَها، ومن الأفعال أطيبَها، ومن الأقوال أطيبَها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله طيبٌ لا يقبلُ إلا طيبًا»؛ أخرجه مسلم.
فهو - سبحانه - طيبٌ في كل شيء، في ذاته وصفاته وأفعاله.
وله أيضًا من أعمال العباد القولية والفعلية الطيب؛ فإن الطيب لا يليقُ به إلا الطيب، ولا يُقدَّمُ له إلا الطيب، وقد قال - عزَّ اسمُه -: وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور: ٢٦]، فهذه سنةُ الله - عز وجل -، لا يليقُ به إلا الطيبُ من الأقوال والأفعال من الخلق، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: ١٠].
فكانت الطيبات كلها له ومنه وإليه، له مُلكًا ووصفًا، ومنه مجيئُها وابتداؤها، وإليه مصعَدها ومُنتهاها.
ولما أتى بهذا الثناء على الله تعالى التفَت إلى شأن الرسول الذي حصل هذا الخيرُ على يديه فسلَّم عليه أتمَّ سلامٍ مقرونًا بالرحمة والبركة، فيقول المُتشهِّد: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته»، والسلامُ اسم الله - عز وجل -؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله هو السلام»؛ رواه البخاري. وقال - عز وجل -: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ [الحشر: ٢٣].
فيكون المعنى: أن الله تعالى يتولَّى رسولَه - صلى الله عليه وسلم - بالحفظِ والكلاءة والعناية.
والسلام أيضًا بمعنى: التسليم، كما قال - عز وجل -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: ٥٦] فهو دعاءٌ وتحية.
ثم يُسلِّمُ المُتشهِّد على نفسه وعلى من معه من المُصلِّين والملائكةِ الحاضرين، وقيل: بل جميعُ أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وذلك بقوله: «السلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين»، وعبادُ الله الصالحون: هم كل عبدٍ صالحٍ في السماء والأرض من الآدميين والملائكة والجن من الأحياء والأموات، وعبادُ الله: هم الذين تعبَّدوا الله؛ أي: تذلَّلوا له بالطاعة امتثالاً لأمره واجتنابًا لنهيه، وأشرفُ وصفٍ للإنسان أن يكون عبدًا للإنسان لا عبدًا لهواه، فإذا سمِع أمر ربه قال: سمِعنا وأطعنا.
وعبادُ الله الصالحون هم الذين صلُحت سرائرُهم وظواهِرهم بإخلاص العبادة لله ومُتابعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ثم ختمَ هذا المقام بعقد الإسلام، وهو: التشهُّد بشهادة الحق والتوحيد: «أشهد أن لا إله إلا الله»، ولا إله إلا الله كلمةُ التوحيد التي بعثَ الله بها جميعَ الرسل، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: ٢٥].
ومعناها: لا معبود حقٌّ إلا الله.
ثم يقول المُتشهِّد: «وأشهد أن حمدًا عبده ورسوله»، فرسولُ الله الخاتَم هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، بعثَه الله - عز وجل - بمكة أم القرى وأحب البلاد إلى الله، وهاجر إلى المدينة، وتُوفِّي فيها - صلى الله عليه وسلم -.
فهو عبدٌ لله، ليس له في العبادة شرك، وقد أمره الله تعالى أن يقول: لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأنعام: ٥٠]، وقال له في آية أخرى: قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (٢٢) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ [الجن: ٢١ - ٢٣]، فهو عبدٌ من العباد، لكنه أفضلُهم، ورسولٌ من الرسل، لكنه أشرفُهم.
وهو - صلى الله عليه وسلم - أشد الناس خشيةً لله وأقومهم تعبُّدًا لله، حتى إنهم كان يقوم مُصلِّيًا حتى تتورَّم قدماه، فيُقال له: لقد غفر الله من ذنبك ما تقدَّم وما تأخَّر، فيقول: «أفلا أكون عبدًا شكورًا»؛ رواه مسلم.
ومعنى: ورسوله؛ أي: مُرسَله، أرسله الله - عز وجل - وجعله واسطةً بينه وبين الخلق في تبليغ شرعه؛ إذ لولا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما عرَفنا كيف نعبد الله - عز وجل -، فكان - عليه الصلاة والسلام - رسولاً من الله إلى الخلق، ونِعم الرسول، ونِعم المُرسِل، ونِعم المُرسَل به، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - هو رسولٌ مُرسلٌ من الله، وهو أفضل الرسل خاتمُهم وإمامُهم، لما جُمِعوا له ليلة المِعراج تقدَّمهم إمامًا مع أنه آخرُهم مبعثًا - عليه الصلاة والسلام -، كما روى ذلك الإمام أحمد.
أيها المسلمون:
هذا ما يقوله المُصلِّي حين يجلسُ في التشهُّد في الركعة الثانية من صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وأما الجلوس للتشهُّد الأخير قبل السلام فيأتي بهذا التشهُّد أيضًا، ويزيدُ عليه الصلاةَ على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيقول بعد الشهادتين: «اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وبارِك على محمد وعلى آل محمد، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد».
وفي "الصحيحين" عن كعب بن عُذرة - رضي الله عنه - قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقُلنا: قد عرفنا كيف نُسلِّم عليك، فكيف نُصلِّي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم إنك حميدٌ مجيد».
وفي "الصحيحين" أيضًا عن أبي حميدٍ الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله! كيف نُصلِّي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى أزواجه وذريته، كما صلَّيتَ على إبراهيم، وبارِك على محمدٍ وعلى أزواجه وذريته، كما بارَكتَ على إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد». وفي رواية عند مسلم: «كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد، والسلام كما قد علِمتم، أو كما قد عُلِّمتم».
ومعنى: صلِّ على محمد؛ قيل: إن الصلاة من الله: الرحمة، وقيل: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، كما أخرجه البخاري مُعلَّقًا بصيغة الجزم، ولفظُه: صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة.
وآل محمد: هم قرابتُه المؤمنون من بني هاشم ومن تفرَّع منهم، وقيل: المقصود: أتباعُه على دينه.
كما صلَّيتَ على آل إبراهيم؛ أي: كما أنك - سبحانك - سبقَ الفضلُ منك على آل إبراهيم فألحِق الفضلَ منك على محمدٍ وآله.
وبارِك على محمدٍ وعلى آل محمد؛ أي: أنزِل عليه البركة، وهي: كثرةُ الخيرات ودوامُها واستمرارُها، ويشملُ البركةَ في العمل والبركةَ في الأثر.
إنك حميدٌ مجيد: حميدٌ؛ أي: حامدٌ لعباده وأوليائه الذين قاموا بأمره، ومحمودٌ يُحمَد - عز وجل - على ما له من صفاتِ الكمال وجزيلِ الإنعام.
وأما المجيد: فهو ذو المجد، والمجدُ هو العظمةُ وكمال السلطان، فتأمَّل جمالَ هذه التحيات وكمالها وحُسنَها وجمالَها، وتدبَّر معانيها حين تزدلِفُ بها إلى ربك في جلوس التشهُّد وأنت خاشعٌ مُتأدِّب.
فالحمدُ لله الذي هدانا إليها، وأنعمَ بها علينا.
اللهم بارِك لنا في الكتاب والسنة، وانفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الصادق الأمين، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المسلمون:
وقد جاءت السنةُ بالترغيب في الدعاء بعد التشهُّد وقبل السلام، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن مسعود بعد ما علَّمه التشهُّد: «ثم يتخيَّر من الدعاء ما شاء». وفي "الصحيحين": «ثم يتخيَّر من الدعاء أعجبه فيدعو به».
والأفضلُ أن تأتي أولاً بالدعاء الوارد في السنة ثم تدعو بعد ذلك بما تحبُّ من خيرَي الدنيا والآخرة، وقد جاءت السنةُ بأدعيةٍ تُقال في هذا الموضع؛ منها:
ما جاء في "الصحيحين" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا فرغَ أحدُكم من التشهُّد فليتعوَّذ بالله من أربع: من عذاب القبر، ومن عذاب جهنم، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنةِ المسيح الدجَّال».
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُعلِّمُ أصحابَه هذا الدعاء كما يُعلِّمُهم السورةَ من القرآن، ولذلك فإن هذا الدعاء في هذا الموضع مُستحبٌّ استحبابًا شديدًا؛ بل إن من العلماء من قال بوجوبه.
وعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو في الصلاة: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجَّال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهم إني أعوذ بك من الأمثم والمغرَم». فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذُ من المغرَم؟! فقال: «إن الرجل إذا غرِم حدَّث فكذَب، ووعدَ فأخلَف»؛ متفق عليه.
والمراد بفتنة المحيا: جميعُ الفتن الواقعة في الحياة مما فيها اختبارٌ للمرء في دينه؛ كفتنة المال، وفتنة النساء، وفتنة الأولاد والجاه، وجميع فتن الشُّبُهات والشهوات.
وأما فتنة الممات: فهي سؤال الملَكَين للميت في قبره عن ربه ودينه ونبيِّه، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنه أُوحِيَ إليَّ أنكم تُفتَنون في قبوركم مثل أو قريبًا من فتنة المسيح الدجَّال»؛ رواه البخاري.
ومن فتنة الممات: ما يحدثُ عند الاحتضار من سوء الخاتمة وإغواء الشيطان للإنسان، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إن أحدَكم ليعمَلُ بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبقُ عليه الكتاب فيعملُ بعمل أهل النار».
وأشد ما يكون الشيطان حِرصًا على إغواء بني آدم في تلك اللحظات، والمعصوم من عصمَه الله.
والمرادُ بفتنة المسيح الدجَّال: ما يحصُل به من الإضلال والإغواء بما معه من الشبهات، وخصَّه بالذكر مع أنه من فتنة المحيا؛ لعِظم فتنته.
والمأثمُ: هو كل قولٍ أو فعلٍ أو نيةٍ يأثَمُ بها الإنسان.
والمغرَم: هو كل ما يغرَمه الإنسان بسبب دَينٍ أو جنايةٍ أو مُعاملةٍ، ونحو ذلك.
ومما ورد من الدعاء أيضًا: «اللهم اغفر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرت، وما أسرَرتُ وما أعلَنتُ، وما أسرفتُ، وما أنت أعلمُ به منِّي، أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّر، لا إله إلا أنت»؛ أخرجه مسلم.
ومما ورد أيضًا: «اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرِك وحُسن عبادتك». أوصى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُعاذًا أن يقولَه في دُبر كل صلاة.
ومما ورد من الدعاء: «اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا غفر الذنوبَ إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم». أوصى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أبا بكرٍ أن يقولَه في الصلاة، كما في "صحيح البخاري".
والأولَى أن يُقال في أحد موضِعَيْ إجابة ادعاء في الصلاة، وهما: السجود، أو بعد التشهُّد وقبل السلام.
وبعد ذلك يدعو المسلم بما شاء من خيرَي الدنيا والآخرة.
اللهم فقِّهنا في الدين، واجعلنا من أتباع سيد المرسلين.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، وارضَ اللهم عن الأئمة المهديين، والخلفاء المَرْضِيِّين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم يا رب العالمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ أو فُرقة فرُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيرَه دمارًا عليه.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وهيِّئ له البِطانة الصالحة.
اللهم وحِّد به كلمةَ المسلمين، وارفع به لواء الدين، اللهم وفِّقه ونائبَيه لما فيه الخير للعباد والبلاد، واسلُك بهم سبيل الرشاد، وكن لهم جميعًا مُوفِّقًا مُسدِّدًا لكل خير وصلاح.
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمِحَن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بَطَن.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين، اللهم أصلِح أحوال المسلمين، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجمعهم على الحق والهدى، اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، واحفظ ديارهم، وأرغِد عيشَهم، واجعل كل قضاءٍ قضيتَه لهم خيرًا.
اللهم انصر المُستضعَفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين، واجمعهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: ٢٠١].
اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسِّر أمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالنا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم، إنك سميع الدعاء.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.