للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣٨٧ - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (١) عن ابن جريج عن مجاهد نحو ذلك.

قال أبو عبيد: فلولا هذه الآية لكان الجهاد حتما واجبا على كل مؤمن في خاصّة نفسه وماله كسائر الفرائض، ولكن هذه الآية جعلت للناس الرخصة في قيام بعضهم بذلك عن بعض، ومع هذا أنّا قد وجدنا في الحقوق الواجبة نظائر للجهاد، منها عيادة المريض وحضور الجنائز وردّ السلام وتشميت العاطس فهذه كلها لازمة للمسلمين غير أن بعضهم يقوم بذلك دون بعض ولكن الفضيلة والتبريز (٢) لقاضيها دون المقضي عنه فكذلك الجهاد إن شاء الله (٣) على أن الله عز وجل قد كان اشترط فيه شرطا حين أمر به فجعله محظورا في بعض الشهور فقال عز وجل: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ (٤) وقال عز وجل: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ (٥) هو في التفسير أن القتال فيه عند الله عظيم كبير، ثم اختلف العلماء في نسخ تحريمها وإباحة القتال فيها.


(١) هو حجاج بن محمد المصيصى.
(٢) قال في مختار الصحاح: برّز الشيء تبريزا: أظهره وبينه/ ص ٤٨.
قلت: لعل مراد أبي عبيد: أن حصول الفضيلة وظهور الإيمان يحصل لمن قام بما ذكر دون غيره.
(٣) قال ابن حجر في الفتح: وللناس في الجهاد حالان: إحداهما في زمن النبي- صلّى الله عليه وسلم- والأخرى بعده، فأما الأولى: فأول ما شرع الجهاد بعد الهجرة النبوية إلى المدينة اتفاقا، ثم بعد أن شرع هل كان فرض عين أو كفاية؟ قولان مشهوران للعلماء ... والتحقيق أنه كان عينا على من عينه النبي- صلّى الله عليه وسلم- في حقه ولو لم يخرج. الحال الثاني: بعده- صلّى الله عليه وسلم- فهو فرض كفاية على المشهور إلا أن تدعو الحاجة إليه كأن يدهم العدو، ويتعين على من عينه الإمام.
انظر: (فتح الباري ج ٦، كتاب الجهاد «باب وجوب النفير» ص ٣٧ - ٣٨).
(٤) سورة التوبة آية ٣٦.
(٥) سورة البقرة آية ٢١٧.