الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدى هدى محمد صلّى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار وبعد.
فلمّا كان القرآن الكريم هو المنهج الذى ارتضاه الله سبحانه وتعالى لعباده دستورا لحياتهم فى جميع شئون الحياة لذا ضمنه سبحانه وتعالى مقومات الحياة كلها على أكمل وأحسن وجه وأودع فيه علم كل شىء بحيث يفى بمطالب هذه البشرية فى حياتها الفردية والجماعية ويهديها إلى طريق الكمال فى الحياة الدنيا بقدر ما تطيق ثم إلى الحياة الأخرى فى نهاية المطاف.
فلمّا غفل المسلمون عن هذا المنهج واتخذوا القرآن كتاب متاع للثقافة وكتاب تعبد للتلاوة فحسب لا منهج تربية للتوجيه والتكيّف ومنهج حياة للعمل والتنفيذ لم ينتفعوا من القرآن بشيء لأنهم خرجوا عن منهجه الذى رسمه العليم الخبير.
والقرآن بخصائصه الموضوعية والتعبيرية، بهذا الكمال فى تناسقه وبهذا الكمال فى العقيدة التى جاء بها، وبهذا المنهج المبرأ من القصور والنقص ومن آثار الجهل والعجز كان الحجة التى أظهرها الله سبحانه وتعالى- على يد نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم وجعله تصديقا لما بين يديه من الكتب المتقدمة- فى أصل العقيدة والدعوة إلى الخير ومهيمنا عليها ومبينا لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل، وتحدى الناس جميعا أن يأتوا بمثله أو أن يأتوا بعشر سور من مثله أو بسورة من مثله أو بحديث مثله فما استطاعوا ولن يستطيعوا، ولا يزال التحدى قائما حتى يرث الله الأرض ومن عليها.