[المبحث الثاني: هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في المزاح]
الأصل في المسلم أن يكون جاداً، إذ لم يخلقنا في هذه الدنيا للعبث واللعب، لكن الجد لا يدوم إلا إذا خالطه شيء من المزاح، الذي هو بمثابة الملح من الطعام، فبالمزاح والدعابة تزهو علاقات الناس وتزدان مجالسهم، إذا لم يجاوز قدره، فكما يقولون: الشيء إذا جاوز حده انقلب إلى ضده.
وكما نهى - صلى الله عليه وسلم - عن الإفراط في كل أمر ولو كان حسناً؛ فإنه قد نهى عن الإفراط في المزاح، لما يجر إليه من غفلة القلب وقسوته، وشغله عما خلق له من عظائم الأمور «ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب»(١)، والمزاح سبب رئيس من أسباب الضحك.
وإذا كان الإكثار من الضحك مذموماً، فإن أصلَه غيرُ ممنوع، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستمع إلى ضحك أصحابه، ويشاركهم بالتبسم يقول جابر بن سمرة: (كان لا يقوم من مصلاه الذي صلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس، وكانوا