للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يفعل ما فعله الحبر اليهودي زيد بن سعنة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حين جاء يطلب ماله، فأغلظ في مطالبته وأساء؛ حتى قام إليه عمر - صلى الله عليه وسلم - يريد أن ينال منه وأن يعلمه أدب الخطاب مع الأنبياء.

لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - بحلمه قال لعمر: «يا عمر، أنا وهو كنا إلى غير هذا منك أحوج: أن تأمرني بحسن القضاء، وتأمرَه بحسن التقاضي، انطلق يا عمر أوفه حقه، أما إنه قد بقي من أجله ثلاث، فزده [يا عمر] ثلاثين صاعاً لتزويرك عليه» (١).

وهنيئاً لمن رزقه الله حسن التقاضي، فقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لصاحب هذا الفعل بالرحمة، فقال: «رحم الله عبداً سمْحاً إذا باع، سمْحاً إذا اشترى، سمْحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى» (٢).

وأسمح صور التقاضي وأحسنها؛ التجاوزُ عن المعسر وإنظارُه في الدَّين الذي حلَّ سدادُه، كما قال تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة:٢٨٠).

فإنظار المعسر من أفضل ما يتقرب به المسلم إلى ربه، وهو سبب في مغفرة الرب للعبد، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «تلقت الملائكة روح


(١) أخرجه الحاكم في مستدركه (٢/ ٣٧) والبيهقي في السنن (٦/ ٥٢).
(٢) أخرجه البخاري ح (٢٠٧٩).

<<  <   >  >>