وهكذا، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحتمل غيرة زوجاته، ويرشِّد هذه الغيرة فلا يسمح لواحدة منهن أن تظلم أختها، وهو من جهته - صلى الله عليه وسلم - كان يقيم العدل بينهن ويكرمهن جميعاً، كيف لا وهو القائل:«إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلُّوا»(١).
ولنصغ إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي تحدث عن موقف غريب لها في غيرتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتقول: لما كانت ليلتي التي هو عندي؛ انقلب فوضع نعليه عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فلم يلبث إلا ريثما ظن أني قد رقدت، ثم انتعل رويداً، وأخذ رداءه رويداً، ثم فتح الباب رويداً، وخرج رويداً.
ولم تطق عائشة خروجه في ليلتها، وغارت على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وظنت أنه يذهب في ليلتها إلى بعض أزواجه، وكيف لا تغار على حبيبها - صلى الله عليه وسلم -، ومثله يُغار عليه، تقول: جعلت درعي في رأسي، واختمرت، وتقنعت إزاري، وانطلقت في إثره، حتى جاء البقيع فرفع يديه ثلاث مرات، فأطال.